هي دقائق قليلة بعد إعادتي لتغريدة لا شيء فيها سوى خريطة هذا العالم العربي وتحتها تعليق شارد يقول: هنا أكبر مقبرة للأحياء على وجه الأرض. بعدها بدأت تعليقات النقد التي تذهب لتذكيري، وأنا العربي الخالص، بأن هذه الخريطة هي من أنجب أعظم رموز الإنسانية، وهي من كان الحجر الأساس لقاعدة الحضارة البشرية وكل ما حول ذلك من «أورام» وسادة التاريخ المنفوخة. أحياناً تشكر فكرة «تويتر» التي أجبرت بني يعرب على الاختصار في 140 حرفاً، وكأنها تطلب من العربي أن يكتفي بمجرد جملتين من الردح والشتم، وهذا لا يكفي ما لديه في هذا القاموس.

ولكل هؤلاء أقدم اعتذاري الشديد على ذلك الوصف الذي لا أملك في سبكه سوى إعادة تغريد. من أجل عيونكم سأطلق على الخريطة العربية حديقة الورود. في هذه الحديقة الغناء تقول بعض التقارير إن مجموع الذين دفنوا

من قتلى العرب في مقابر جماعية في العقد الأخير وحده بلغ خمسين ألف قتيل. هم الوظيفة النامية المزدهرة لسائقي الجرافات الصفراء على هذه الخريطة، أو في قلب هذه الحديقة.

تقول الأرقام أيضاً إن أكبر لغة لاجئة مهاجرة في السنوات الست الأخيرة ليس إلا لسان اللغة العربية بما يصل إلى عشرين مليون عربي إلى عوالم الغرب الذي نلعنه ثم نهاجر إليه. لم يبق على سواحل العرب الخفية المهجورة سوى تجارة تهريب البشر عند الهزيع الأخير من الليل كوظيفة نامية مزدهرة. تقول الأرقام إن المالك القطري لنادي باريس سان جيرمان كان يتطلع لأن يكون «ليونيل ميسي» هو الصفقة الأولى قبل «نيمار» لولا أن ثمن فسخ عقده فقط من ناديه الكاتالوني يبلغ 450 مليون يورو، ناهيك عما سيقبضه اللاعب لو تمت الصفقة. هذه الأرقام الخيالية من أجل فكرة رياضية لشخص واحد ولاعب واحد تفوق من وجهة نظري مبيعات وأرباح أكبر عشرة مصانع على خريطة العرب وحديقة الورود، هذا إن كان هناك هيكل مصنع. قيمة نيمار وحدها توازي قيمة قرض من صندوق النقد الدولي تحاول دولة عربية التفاوض حوله لثلاث سنين وبدفتر من الاشتراطات الهائلة.

ولأن اسم «قطر» مر على المقال فسأختم بأنموذجها الفريد الذي لا يصلح سواه لتصوير العقل العربي الذي يزرع هذه الحديقة. كان يمكن لقطر أن تختار الحياة والأمل والمستقبل بدلاً من صناعة الموت. كان يمكن لها بإمكاناتها الهائلة وحجمها الصغير أن تكون الأنموذج الكوني في السلام والتنمية والبناء، وكان يمكن لها أن تتجاوز تايبيه وسنغافورة. لكنها بدلاً من استقدام ألمع العقول العلمية والبحثية من حملة «نوبل» استضافت القرضاوي والصلابي وحجاج العجمي وطارق الزمر والإسلامبولي. اختارت أن تكون تنظيماً بدلاً من نظام. هي المثال الحقيقي لعقلية هذه الخريطة: عفواً هذه الحديقة.