يحظى التعليم في بلادنا بدعم كبير من الدولة، التي خصصت له نصيب الأسد في الميزانية السنوية، وهيأت له كل الإمكانات التي ترتقي به وتسهم في تطويره، فكان من ثمرات ذلك افتتاح عشرات الجامعات وإتاحة فرص التعليم الجامعي للطلاب والطالبات، ثم توفير الوظائف للعدد الأكبر من هؤلاء بعد التخرج.

وعادة تكون الوظائف التعليمية هي الأوفر، فمساحة بلادنا مترامية الأطراف، بحاجة إلى معلمين ومعلمات في كافة التخصصات، لذا يتم تعيين هؤلاء الخريجين على الوظائف التعليمية خارج مناطق سكنهم.

وفي حركات التعيين تلك لا يُنظر البتة للجامعة التي تخرج منها الموظف عند التعيين، فخريج جامعة الملك سعود، المقيم في الرياض وما جاورها، يمكن أن يعيّن في جازان، في اللحظة التي يعين فيها خريج جامعة جازان في الحدود الشمالية.

عند ذاك يقال إن التعيين جاء متماشيا مع رغبات المتقدم للوظيفة، مع أنه حقيقة لم يُنظر في رغباته، أو لنقل على الأقل، إنه قد تم تجاهل الرغبات الأولى للمتقدم.

وحين يتم التعيين فإنه كثيرا ما يكون خارج المدن؛ في الهجر المنسية والقرى النائية، مما يضاعف المعاناة ويزيد المشقة، فمن منا لا يتذكر المطالبات السنوية بالنقل الخارجي، ومن منا لا يتذكر حوادث الطرق التي أزهقت أرواح المعلمين والمعلمات؟!

يحصل ذلك في حركة التعيين، بشكل شبه دوري، لكنه حين يكون الحديث عن قبول خريجي الثانويات العامة في الجامعات، الممتدة عبر مساحة الوطن، فإن المقاييس تتغير تماما، فلا تتاح فرص القبول في جامعة من الجامعات إلا لخريجي المدارس الثانوية التي تقع في منطقتها، ولا أقصد المنطقة الإدارية، بل المدينة التي تقع فيها الجامعة المتقدم عليها.

يحصل ذلك مع أن الطالب يكون في تلك الحالة قد تقدم للجامعة برغبته واختياره، ومع أن الجامعات- كل الجامعات- تقع في وسط المدن، مما يعني سهولة الحياة وتوفر السكن والمواصلات. هذا الطالب الذي يحرم من فرصة الدراسة في جامعة تقدم إليها ذات يوم، قد يتم تعيينه بعد التخرج في المنطقة التي تقع فيها تلك الجامعة.

إن ارتفاع نسب القبول في بعض الجامعات، وعدم توفر تخصصات توافق ميول الطالب، أسباب منطقية تضطره إلى التقديم في مناطق بعيدة عن مقر إقامته، لكنه- أي الطالب- حين يقدم على تلك الخطوة يكون قد أبدى استعداده وأسرته لتقبل كل الظروف التي يفرضها هذا الاختيار، ويكون قد أقرّ- عبر بوابة القبول في الجامعة- على نفسه بالانتظام طوال مدة الدراسة، وهذا كاف تماما لينال فرصة القبول، مثلما هي الحال مع المعلم الذي تم تعيينه خارج مقر إقامته.

الحديث عن إتاحة الفرصة للطلاب السعوديين في الحصول على القبول في جامعات بلادهم الكبيرة والكثيرة، حديث عن استحقاق فعليّ، فمملكتنا الحبيبة تمتلك العدد الأكبر من الجامعات في دولة واحدة، في الوطن العربي، وهذا يعني أن طلابها هم الأوفر حظا في التعليم الجامعي، وأن فرصهم في تنوع التخصصات أكبر من غيرهم، وهذا ما يجب مراعاته من قبل الجامعات السعودية، وهو واجب وطني ومسؤولية تتقاسمها جامعاتها الثلاثون.