نشرت صحيفة «الوطن» الأحد 29 ربيع الأول عام 1429 من الهجرة، توجيه إمارة منطقة عسير بـ«بتشكيل لجنة وفريق عمل، لتوثيق تراث وموروث المنطقة الثقافي والفني، وبحث كل ما يتعلق بالحراك الثقافي بكل اتجاهاته، في مختلف المحافظات والمراكز»، ولأن المؤسسات المعنية في حينه، كما يبدو، غير قادرة على النهوض بهذا المشروع المعرفي، فإننا نعيد التذكير بعد 10 سنوات، بالمسارعة في إحياء وتحقيق تلك الفكرة الحضارية، والاحتشاد لها كمعطى سياحي واقتصادي، نظرا لما يتهدد الذاكرة الجمعية من تحديات وتحولات مربكة، وطفرات مُلحّة وانقطاعات مخاتلة، تدفع الأجيال إلى الاغتراب والتباعد وضعف الصلة بموروث وطنهم، وما تمثله بلادهم من تفرد وأصالة ومخزون تاريخي ومستودع حضاري، يعمق ويعزز هويتها التاريخية، بما يشمله من نضج نوعي وتمثلات استثنائية، ومدخرات خصبة وعبقرية جمالية، فتوثيق التراث الثابت والمنقول صونٌ وحماية وإحياء له، عبر الأزمنة والعصور ماديا كان أو معنويا، وحفاظ له من الانقراض والاندثار والضياع، فنحن بحاجة إلى توفير قاعدة معلومات تساعد الباحث والزائر والأجيال على الإحاطة ومقروئية واستدعاء تلك الحواضن الكونية والعوالم المتعاظمة التي صاغتها وصنعتها ذائقة الأسلاف ومرئياتهم الحياتية، ولن يتأتى التوثيق المأمول إلا بزيادة الوعي بقيمة التراث الحضاري والطبيعي لوطننا بكل متاحاته، واستخدام الوسائل السمعية والبصرية والأفلام الوثائقية والصور الفوتوجرافية، وتوظيف كل وسائل العصر الرقمي والتكنولوجي والأقراص المدمجة، وإصدار أطالس للآثار والنقوش والمنحوتات وخرائط بمواقعها، وتوثيق المخطوطات على المستويين الوطني والإقليمي، وإعداد موسوعة لتوثيق هذا التراث ودوره الوظيفي، كما فعل مركز توثيق التراث في «القرية الذكية» التابع لمكتبة الإسكندرية في جمهورية مصر العربية.

كتبت قبل سنوات عن «متحف عسير الإقليمي»، وطالبته بالتركيز على الثقافة البصرية الصوتية والمرئية التي تمثلها الأفلام الوثائقية، لما فيها من القدرة على التفكير والمخيال والتحليل الذهني وتعميق المعلومة، كأن ترى أفلاما عن مدونات عسير الإسلامية وانتشار الإسلام في ربوعها منذ فجره وعصره المبكر، وآثار المنطقة وأشهر المواقع فيها، والثقافة الشفاهية كالمرويات والحكاية الشعبية والمثل الشعبي، وثقافة الردودة والشعر الشعبي، والمعمار التقليدي في عسير وخصائصه الجمالية التي يندر وجود ما يماثلها في العالم، والنباتات والأزياء والحلي والمهن التقليدية، والأكلات الشعبية، والألعاب والرقصات التعبيرية القولية والفعلية وما فيها من ثراء وتطريب وفن آسر، والزراعة وأساليبها وما كان يقوم به الفلاح من مهارات وما تشكله من براعة وذكاء فطري، والمناطق السياحية وما تحويه من مواطن الدهشة والجمال، وغير هذا من صور الاغتناء البشري، وما انطمر تحت قميص وجسد هذه الأرض الكريمة والعزيزة.