أمر الله نبيه إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج إلى هذه البقعة، أول بيت وضع للناس، ووعده الله تعالى أن يأتوا من كل مكان، ووضح، سبحانه، الغاية من الحج في سورة الحج حين قال: «وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كلّ ضامر يأتين من كل فج عميق* ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم اللَّه في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير* ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق».

شهود الحجيج منافع لهم هو محفز لهم كما هو أول غايات الحج التي وردت في الآية، وجاءت بعده الشعائر.

واختلف المفسرون اختلافا بسيطا في معنى «منافع لهم» ننقله من ابن جرير الطبري: «اختلف أهل التأويـل فـي معنى الـمنافع التـي ذكرها الله فـي هذا الـموضع فقال بعضهم: هي التـجارة ومنافع الدنـيا.. وقال آخرون: هي الأجْر فـي الآخرة، والتـجارة فـي الدنـيا.. وقال آخرون: بل هي العفو والـمغفرة.. وأولـى الأقوال بـالصواب قول من قال: عنـي بذلك: لـيشهدوا منافع لهم من العمل الذي يرضي الله والتـجارة، وذلك أن الله عمّ منافع لهم جميع ما يشهد له الـموسم ويأتـي له مكة أيام الـموسم من منافع الدنـيا والآخرة».

لكن منافع الآخرة من عفو ومغفرة علمها عند الله تعالى، فالأرجح أنها منافع الدنيا من علاقات وتجارة ونحو ذلك. وهو ما نراه اليوم في الحج إذ يجلب بعض الحجيج ما خف حمله من بضائعهم لعرضها وبيعها على الحجيج أمثالهم أو على أهل مكة المكرمة. إن شعائر الحج ومناسكه هي «أيام معلومات» تأتي ختاماً لموسم الحج، أي ختاماً لحياة استمرت شهرين على الأقل تكونت فيها علاقات متنوعة وتحققت مصالح ومنافع كثيرة ضمن بيئة يسودها السلام والوئام، بما أنه لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، فالحاج يلزم نفسه بذلك قبل أن تلزمه الإدارة القائمة على الحج.

وتحقق غاية «شهود المنافع» مرهون بالمدة التي يقضيها الحاج في الأماكن المقدسة. ومعلوم أن ليس كل الحجيج لديهم ما يعرضونه للتبادل التجاري لكن كثيرا منهم لو تهيأت له الفرص بشكل أفضل لوصل مكة مبكرا في أول أشهر الحج المعلومات، وشهد منافع له، وهذه الفرص الأفضل تعني تسهيل شحن بضاعته وذلك عبر تنسيق بين وزارات النقل والحج والجمارك والخارجية وكل الإدارات ذات الصلة بشأن الحاج في بلده وفي المملكة العربية السعودية.

أشهر الحج تبدأ من بداية شهر شوال، وتنتهي في نهاية ذي الحجة، وهي الفترة التي تغطيها تأشيرة الحج التي تمنحها السعودية للحاج، وهي مدة مثالية لخلق مناخ تتحقق فيه غاية الحج الأولى «ليشهدوا منافع لهم».

رأيتُ في المهرجان الموسمي في منطقتنا «جيزان» باعة يأتون من الخليج والأردن ومصر والمغرب يحصلون على تأشيرات دخول لهذا الغرض ويبيعون من منتجات بلادهم ويشترون من بعضهم ومن منتجاتنا المحلية، ويبقون معنا شهرين أو ثلاثة لهذا الغرض وتنتهي تأشيراتهم بنهاية المهرجان، وما سيكون في الحج قريب من هذا.

وبما أن «منافع لهم» هي تجارة دنيوية كما يرجح المفسرون والفقهاء فإن سوقا إسلامية شعبية ستقوم على هامش مناسك الحج تمتد لثلاثة أشهر يستفيد منها بسطاء الحجيج.

يبقى فقط التنسيق بين الجهات المعنية في المملكة العربية السعودية وبين بلدان الحجيج في تحديد نوع وحجم المسموح به من البضائع، مع تيسير نقلها وإعفائها المتبادل من الضرائب والجمارك. الحج شعائر، لكنه أولاً نموذج لحياة بمنافعها يعمّها السلام والسكينة.