يوم الأربعاء الماضي، وبحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، استعرضت القوات العسكرية لقوات أمن الحج مهاراتها القتالية، واستعداداتها الأمنية لموسم حج هذا العام، وهي عادة دأبت عليها قوات أمن الحج كل عام، قبل بدء هذا الموسم الفضيل الذي يشهد احتشاد ملايين الحجاج في مساحة محدودة خلال فترة زمنية قصيرة، ويستلزم الأمر العناية بسلامتهم وحماية الأماكن المقدسة وحمايتهم، وتسيير عملية الحج بسلاسة.

فإذا ما توافر عنصر الرعاية الأمنية استطاعت بقية العناصر تأدية مهامها باحتراف، واستطاع الحجاج إنهاء شعيرة الحج بطمأنينة وسلام.

نقلت فيما بعد بعض وسائل الإعلام الغربي هذا العرض العسكري المدهش بمهارة أفراده وفقراته، واحتفى بهذا النقل كثيرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لأن في نقل مثل هذه الجهود لخدمة وحماية الحجاج، وإظهار مواطن القوة لدينا، أثرٌ إيجابي في المتلقي الغربي.

في السنوات الأخيرة، ومع الثورة الإعلامية المتزايدة لوسائل التواصل وتقنيات المعلومات في نقل الأخبار، أصبح تداول المعلومات ونشرها سهلا وميسرا ومتاحا للجميع، وقد يتم تداول معلومات مغلوطة ومفبركة عن بعض الجهات أو الدول أو الأشخاص، جهلا ومن غير قصد من عامة الناس، وبعض القنوات الإعلامية غير المختصة التي تبحث عن الإثارة على حساب المحتوى، أو يكون تداول المعلومات الخاطئة والأخبار المشوهة متعمدا ومنظما من جهات تهدف إلى الإخلال بأمن الوطن، وإثارة الفوضى داخليا وخارجيا، وتسعى إلى تشويه الحقائق وتأليب الرأي العالمي ضد أي مجهودات تبذلها المملكة.

لهذا، كان الاهتمام بصورة المملكة لدى المتلقي الغربي أو الحرص على الوصول إلى الإعلام الخارجي بنقل الحقائق والجهود والصور الإيجابية في المجتمع السعودي مسؤوليةً مهمةً، وضرورة مُلحة في الوقت الراهن الذي تخوض فيه المملكة تحديات كبيرة داخليا وخارجيا، وقد تساءلنا كثيرا عن المسؤول الأول لمثل هذه المهمة: هل هي وزارة الخارجية عبر فروع سفاراتها في الخارج وملحقياتها الثقافية ومجهوداتها الدولية؟ أم مسؤولية وزارة الثقافة والإعلام عبر برامجها الثقافية والإعلامية؟ أم هي مهمة المؤسسات الصحفية المحلية والقنوات الخاصة والإعلاميين عبر منصاتهم الرسمية والخاصة؟ أم مسؤولية المراكز البحثية التابعة للجامعات أو المستقلة؟ أم هي كل هذا مجتمعة تحت منصة رسمية تتابع وتنظم الجهود، ثم تعيد تصديرها إلى الخارج إعلاميا عبر شراكات رسمية أو قوى إعلامية ناعمة ومؤثرة في المتلقي الآخر وأكثر تأثيرا.

أعلنت وزارة الثقافة والإعلام السبت الماضي، عبر وزيرها عواد العواد، إطلاق مركز التواصل الدولي الذي يهدف إلى تعزيز العلاقات مع وسائل الإعلام الدولية عبر عدة لغات، وهي خطوة إيجابية من الجيد أن بدأتها وزارة الإعلام في هذا الوقت المتزامن مع موسم الحج، والجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة في رعاية الحجاج، وفي الحفاظ على أمنهم وسلامتهم، والتي ننشغل بها عن الحملات الإعلامية المضادة التي تشنها بعض الدول خلال هذا الموسم بالذات، ويجب أن تُجابَه بطريقة محترفة ومنظمة، فضلا عن أن المملكة تحتاج بشكل حقيقي إلى إظهار صورتها الحقيقية لدى الآخر، وأن تنقل له النهضة التنموية التي تسعى إليها المملكة عبر رؤيتها وعملها الدؤوب، لنقل المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة تنمويا وحضاريا.

مع هذه المبادرة الإعلامية، هل يكفي لهذا المركز أن تقتصر مجهوداته بالتغريد عبر «تويتر» فقط؟

عمليا، ولأن المبادرة وليدة، فلن نستعجل التوقعات التي نطمح إليها من هذا المركز كمواطنين نهتم بالصورة الإعلامية لوطننا في الخارج، قبل أن نكون إعلاميين نشارك بطريقة أو بأخرى في رسم هذه الصورة، والأمل كبير في أن تكون هناك اتفاقيات مع مختلف الوزارات لجهد إعلامي موحد، له خارطة طريق واضحة، نعمل فيها جميعا بالداخل والخارج عبر قنوات مختلفة قديمة وحديثة، إلكترونية وبشرية، وتصب في رؤية موحدة تهمها مصلحة الوطن.

في أحيان كثيرة، حينما نجد صورة إعلامية عن السعودية سياسيا أو اجتماعيا أو تنمويا، نُقلت إلى العالم الآخر بشكل مشوه أو مسيء، تكون مشكلتنا ليست مع جهل المتلقي بها، فتصحيح المعلومة يصير سهلا حينما نملك الأدوات التي تثبت العكس وتقنع الآخر، مشكلتنا الحقيقية تكمن في مصدرين: الأول، من يتصدر لنقل المعلومات والأخبار بجهل ودون تثبت، وقد يعتمد على المبالغات المسيئة أو الإشاعات والخرافات التي تصطدم بالمنطق والعقل، وهو يسيء من حيث يظن أنه يحسن صنعا، وهو ما يقوم به البعض من ممارسي الإعلام الافتراضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكثير من العامة الذين ينقلون المعلومة دون التثبت من المصدر.

والنوع الثاني وهو الأخطر: من يعرفنا جيدا ويعلم جهود المملكة ومساعيها المختلفة، وحرصها على التغيير وما يواجهها من قيود وعثرات، فيستغل هذه المعرفة للإساءة والتندر، والاستخفاف من أي خطوة إلى الأمام، وربما يتعمد تصديرها للآخر، والتعاون لأغراض شخصية أو تنظيمية، على اعتماد وخلق مواد إعلامية خارجية مضرة بالوطن.

لهذا، على وزارة الثقافة والإعلام، عبر منصتها الجديدة، المتمثلة في مركز التواصل الدولي أن تتبنى خطا إعلاميا دفاعيا ضمن جهود هذا المركز وغيره، يركز على صناعة محتوى إعلامي مضاد لكل محاولة سابقة أو لاحقة.

الصورة والكلمة والصوت، ليست في هذا الزمن مجرد وسائل إعلامية عادية لنقل المعلومة والتعريف بالخبر، بل هي أسلحة، حينما تُستخدم بذكاء ستصنع فرقا كبيرا في مختلف المجالات.