في ملكوتها تحفك أنفاس الطهر، وتعرج بك تجليات الإيمان، وتتسامى داخلك رحاب الأرض، يركض في دروبها عبق السناء، ويتهادى في مرابعها نبض الأرواح، ويسري في سمائها دعاء الحق كالفجر الندي، من هنا خرج النور والضياء ليغمر المعمورة، وانطوت أمام المدلجين الدياجر المعتمة، واكتظت شعابها بالمسرات وشموس الهداية، يشيخ الزمان ولا تشيخ مكة المكرمة، فهي ناصعة الوجه كصبحها العتيق، فارهة الجمال الرباني كماء التسابيح على ثغرها الزلال، إنها البلد الأمين، وأم القرى، ومهبط الوحى، وأول بيت وضع للناس، اختارها الله «لتكون البلد الحرام ومنسكا لعبادة المؤمنين وقبلة لهم ومكان حجهم، جعله الله حرما آمنا يوم خلق السموات والأرض، لا يُسفك فيه دم، ولا يُعضد فيه شجرة، ولا يُنفّر فيه صيده، ولا يختلى فيه خلاه، ولا تُلتقط فيه لقطته». يقول الشاعر «يحيى السماوي»:

 

أوصى بها الرحمن فهي عظيمة..

من غيرها الرحمن قد أوصى بها

لو لم تكن خير البلاد على الثرى..

ما كان بيت الله فوق ترابها

شغف الشعراء بمكة المكرمة في كل العصور، سواء في الجاهلية أو العصر الأموي والعباسي، أو العصر الحديث، مما دفع الدكتور «عبدالرزاق حسين» وبتكليف من مؤسسة «جائزة عبدالعزيز البابطين» لتأليف كتاب «مكة المكرمة في عيون الشعراء العرب»، احتفالا بمكة عاصمة للثقافة الإسلامية عام 1426 من الهجرة، وقد قسم المؤلف بحثه الواسع إلى خمسة أقسام «مكة في عصور الشعر -أغراض وموضوعات الشعر في مكة - الشعر في أحداث مكة -الخصائص والسمات الفنية -من شعراء العشق المكي»، يقول الشاعر محمد حسن فقي:

مكتي أنت لا جلال على الأرض

يداني جلالها أو يفوق


كل حسن يبلى وحسنك يا مكة

رغم البلى الفتي العريق


ويقول الشاعر طاهر زمخشري:

في دمي ثورة الحنين لهيبا..

ليس يطفيه من عيوني نمير

كلما ناح طائر فوق أيك..

كان لي من نواحه تذكير



ويقول الشاعر أحمد إبراهيم الغزاوي مادحا الملك «عبدالعزيز» طيب الله ثراه:



نعمت بأوبك مكة وبطاحها..

واخضر واديها وشح شحاحها

حنت إليك فلو أطاقت مرتقى..

لسمت إليك بها الغداة رياحها