لأن الاشتباك الذي يؤدي للالتحام اللفظي ومعارك الاحتراب التي لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد هي السمة الأبرز في مشهدنا السعودي، فلا تثريب على معالي وزير العمل عادل فقيه عندما شُبه عليه؛ فظن أن دوائر العمل حلبات مصارعة يتلاحم فيها الموظف جسديا مع زميلته الموظفة، مما يستدعي تدخل وزارة العمل لفك الالتحام! أو لعلها مراقص يتلاحم فيها الراقصون والراقصات ـ عفوا الموظفون والموظفات ـ على أنغام التانغو والفالس وهم يؤدون أعمالهم! وعليه فإن معاليه يؤكد للمتوجسين والمتخوفين من عمل المرأة في بيئات عمل مختلطة بأن الأمور تحت السيطرة الكاملة، وأن أية محاولة للالتحام سيكون مصيرها الفك المؤكد والقضاء الجامع المانع على المفاسد الالتحامية ما ظهر منها وما بطن!

ولعلّه يطمئنهم أيضا أنه سيزود كل إدارة أو مؤسسة بتقنيات متطورة جدا لفك الالتحام بين الموظفات والموظفين، ولا مانع هنا من الاستعانة بخدمات كاميرات الهيئة لمراقبة ما يحدث في دوائر العمل من محاولات التحامية توهمية تغريبية آثمة ترمي إلى إفساد المجتمع وزعزعة أمن الأسر المستقرة! من الممكن أيضا تزويد كل بيئة عمل مختلطة بلجنة متخصصة في شؤون فك الالتحام مزودة بأمتن وأحدث أنواع العوازل و(البارتشينات) حماية لخصوصيتنا السعودية من الخدش ومجتمعنا من فساد وإفساد الالتحام! ولا ريب أننا سنصل للعالمية من خلال هذه اللجان، بعد أن تستعين دول العالم المتقدم بخبراتنا في القضاء على الفساد الالتحامي الأثيم داخل دوائر العمل، بعد فشلنا المربع والمكعب في تفكيك باقي أنواع الفساد الإداري وجرائم نهب وسرقة المال العام! وعلى وزير العمل أيضا أن يطمئن علماءنا الأفاضل ـ المنشغلين بمعارك الجبهة الداخلية الالتحامية المتخصصة في شؤون المرأة وممانعة توظيف الكاشيرات وممارسة الرياضة في مدارس البنات وخلافه من القضايا ـ؛ بأنه سيقوم بعملية فصل ناجحة يروم بها منع الالتحام والتوأمة بين الشخصيات القيادية النسائية في مجتمعنا وبين شخصية هدى بنت شعراوي أو رفيقتها صفية بنت زغلول! على معالي وزير العمل أيضا أن يطمئن رموز الجبهة الداخلية المتخصصة في شؤون المرأة أنه كفيل بالقضاء على أية مفردات التحامية خطيرة من نوعية التمكين، أو التحرير، أو المساواة، وبأنه سيتم تطهير خطاب المرأة من هذه المفردات المخادعة والمقولات المخاتلة الرامية للفساد والإفساد! أما رموز الجبهة الداخلية لشؤون المرأة من علمائنا المبجلين فعليهم الاهتمام بفك تهويمات وخيالات الالتحام في بيئات العمل بين الرجال والنساء، وأن ينسوا تماما شريحة من السعوديين تحت خط الفقر، والفساد المالي الذي يأكل مقدرات الوطن، وضعف العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، والرشوة والمحسوبية وباقي أدوائنا الخطيرة، فكله تحت السيطرة ما دام الخناق محكما على المرأة رأس الفساد والإفساد!

كل ما أخشاه أن الانشغال بمعارك فك الالتحام ـ المتوهم ـ ستنسي وزارة العمل أن أحوج ما تحتاجه المرأة العاملة هو قانون يضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه التحرش بها أو مضايقتها!