في نفس الأسبوع الذي أعلنت فيه وزارة التعليم عدد الاحتياج الوظيفي للسنة 1438-1439 قبل إجازة عيد الأضحى يعلن المتحدث الرسمي لوزارة التعليم أن الطاقة الاستيعابية في جامعات المملكة الحكومية لهذا العام أيضاً في برنامج الانتظام فقط بلغت (334,479) مقعدا دراسيا للبكالوريوس غير المنتسبين والمسجلين في المعاهد والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، وهذا يعني أنه في عام 1442 /1443 سيتضاعف عدد العاطلين الطامحين للوظائف التعليمية في المدارس، لأنها تشبعت ولم يعد هناك أي شواغر للاحتياج التعليمي، وما شغر عن التقاعد يتم تذويبه من الشحوم المتراكمة في البطالة المقنعة.

أعداد العاطلين من خريجي الجامعات السعودية وفقا للتخصصات القائمة حاليا في ازدياد مستمر، ولن تتوقف بل ستزيد الأمر سوءا، وما تصلحه هيئة توليد الوظائف بالملعقة تفسده الجامعات بالمغرفة، فبعض التخصصات النظرية والعلمية التي لا يحتاج إليها سوق العمل لا سابقا ولا حاضرا ولا مستقبلا مازالت قائمة، وتخرج في السنة الواحدة مئات الألوف من العاطلين، والمسؤولون في أبراجهم العاجية يهتمون بصورهم في حفلات التخرج دون أن يستشعروا أن هؤلاء الشبان والشابات المقبلين على الحياة والممتلئين بالأحلام هم من سيتسببون في انكسار حلمهم بالوقوف لسنوات في طابور الباحثين عن الوظائف والعائدين كل مساء إلى بيوتهم ممتلئين بالإحباط.

 ونظرة خاطفة على عدد الاحتياج وأعداد العاطلين يوضح بسرعة أنه لا يوجد هناك أي تعاون واضح أو حتى اتصال بين الجامعات السعودية مع وزارة العمل وحاجة السوق، عدا الاحتفالات الشكلية المكلفة والمكررة التي تنفذها الجامعات في يوم المهنة.

من أهداف رؤية السعودية 2030 سد الفجوة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل وتوجيه الطلاب نحو الخيارات الوظيفية والمهنية المناسبة، وكل الجامعات تدعي أنها تسير وفق الرؤية، ولكن لو أعلنت كل جامعة أعداد المقبولين لهذا العام في كل قسم على حدة طلابا وطالبات في المراحل المختلفة وتمت مقارنتها بما تحتاجه الدولة في مسيرتها الإصلاحية الحالية مرورا بالتحول الوطني 2020 وبقية البرامج ووصولا إلى رؤية 2030 لوجدنا أننا نسير في عكس اتجاه الرؤية، وأن الحكومة العميقة في الجامعات لم تتحول مع الرؤية.

وبالتأكيد سنرى نفس التخصصات النظرية والعلمية منذ عقود مع زيادة أرقام المقبولين والخريجين، ولم نسمع بأي افتتاح لتخصصات مختلفة بديلة عنها بشكل هيكلي وليس مجرد إضافة قسم هنا وقسم هناك، والمناهج هي هي بعيدة عن التواؤم مع حاجة في سوق العمل، والأخطر من ذلك أن تكون هناك أقسام مضللة بمسميات عصرية، ولكن مناهجها تقليدية والتغيير فيها شكلي وبراق، ثم لا شيء يمس الجوهر.

لماذا تزداد الجامعات إصرارا على تخريج العاطلين عن العمل؟ وفي حال عجرها عن التحول ألا ينتظر من وزارة التعليم التدخل بشكل حاسم والاكتفاء من التخصصات النظرية وتقليصها في تخصص واحد تحت مسمى العلوم الإنسانية مثلها مثل تخصص الدراسات الإسلامية، ومن أراد التوسع في هذا التخصص فأمامه الدراسات العليا يتخصص ما شاء فيها ويتوسع، وكذلك التركيز على افتتاح تخصصات مهنية تتناسب مع المجالات الوظيفية المختلفة التي تعطى وظائفها لمقيمين أجانب برواتب خيالية.

وبالنسبة للنساء التركيز على المجالات النسوية النشطة الآن، ومحاولة تفعيلها عبر إدراج تخصصاتها في الخيارات المفتوحة أمام المتقدمات في كافة الجامعات، ولا تختص جامعة بتخصص دون الأخرى من باب العدل والمساواة، على سبيل المثال الفنون التجميلية، الإدارة والتسويق، الهندسة، التصوير الفوتوغرافي وغير ذلك، والحديث يطول لو تم تناول كل تخصص على حدة.