من الواضح أن الرئيس الأميركي ترمب بدأ تدريجيا في إعادة التوازن لإدارته من خلال عدد من التعيينات والإقالات والتي ربما تنحو به نحو تعامل أكثر قبولا مع المبادئ والقيم التي قام عليها الدستور، فمن أهم الإشكالات التي واجهته منذ أن بدأ في تكوين فريقه كانت اعتماده على عدد من المستشارين المنحازين لليمين المتطرف المعادي للأقليات العرقية والدينية مثل ستيف بانون وسبيستيان غوركا، وهما الاسمان اللذان يرجع البعض لهما مواقف ترامب المتساهلة مع اليمين وتصريحاته التي أخذت عليه.

قدوم الرجل القوي إتش أر مكماستر ليشغل منصب كبير موظفي البيت الأبيض كان خطوة في الطريق السليم وفق رأي العديد من المعلقين على طرفي الجدال السياسي الأميركي، فالرجل العسكري الذي عرف عنه الصرامة لم ينتظر طويلا قبل أن يبدأ في إعادة رسم خارطة الاستشارية خصوصا في الجانب المتعلق باستراتيجية البيت الأبيض عبر الدفع نحو كل من بانون وغوركا على مغادرة البيت، ليفسح المجال لتكوين أرضية أكثر اعتدالا فيما يتعلق بالقضايا المهمة التي تمس الحريات والمواطنة والمساواة.

وعلى الرغم من أن التغييرات في الأفراد لا تعد بالضرورة من الناحية السياسية مؤشرا لتبدل قناعات الرئيس إلا أن تنظيف الأجواء من آراء متطرفة سيجعل الآراء التي تحيط بالرئيس أكثر اعتدالا وقبولا من الناحية السياسية، وتحديدا فيما يتعلق بالمسائل الخاصة في كيفية التعامل مع الأجانب في الداخل الأميركي والتعاطي الأيديولوجي مع القضايا السياسة، مثل الحرب على الإرهاب الداعشي، والتمدد العسكري في كل من أفغانستان والعراق، والدور الذي ستلعبه أميركا كوسيط سلام في عدد من الملفات السياسية الشائكة، مثل القضية الفلسطينية، على الرغم من أن ذلك سيكون رهين قدرة الجانب العربي على التأثير لصالحه، على حساب الانجذاب المتوقع في داخل الإدارة الأميركية باتجاه الموقف الإسرائيلي.

الرئيس ترمب يواجه اليوم العديد من التحديات على الرغم من محاولاته تهدئة المكونات السياسية العديدة، ولعل أهمها مقدرته على ضبط تصريحاته التي في الغالب تسبب له الكثير من المشاكل على مستوى رد فعل الإعلام والحزب الديمقراطي، أو حتى على مستوى التعاطف والتأييد من قبل أعضاء حزبه أو حتى إدارته، فتصريح وزير الخارجية ريكس تيلرسون مؤخرا بأن تصريحات ترمب المتعلقة بقيم ومبادئ الشعب الأميركي لا تعبر إلا عن رأي الرئيس فقط، يراه البعض على أنه مؤشر لصعوبة تجاوز وتغاضي أو «تطبيل» البعض لتصريحات ترمب، خصوصا عندما يكون هناك اتفاق عام على أن تصريحاته خارج السياق المقبول دستوريا.

 اختبار حقيقي مر به الرئيس خلال الأسبوعين الماضيين تلخص بالطريقة التي تعاطى بها مع كارثة إعصار هارفي الذي ضرب ولاية تكساس، والذي نُظر له على أنه مخرج (علاقات عامة) مناسب إن تعامل به الرئيس بالشكل السليم عبر خطابه الألين، وإبداء شيء من التعاطف سيكون ربما بداية لمرحلة جديدة من التواصل الشعبي بعيدا عن اللغة الصدامية المفتقرة للبعد الإنساني.

إلا أن الرئيس وعلى الرغم من نجاحه النسبي في التعامل مع تبعات إعصار هارفي إلا أنه عاد هذا الأسبوع للواجهة من جديد، بقضية خلافية تتمثل بنيته إلغاء قانون (الحالمين) الذي يتيح لأبناء المهاجرين الشرعيين فرصة الحياة في أميركا، وهو القانون الذي يرى ترمب أنه مفتاح العديد من مشاكل المجتمع الأميركي الأمنية والاقتصادية، بينما يراه معادوه على أنه امتداد ودليل لمواقف ترمب المعادية للأجانب، وبالتالي رؤاه السياسية المتحركة بأمر اليمين الأبيض المتطرف.