أعاد حلول شهر ذي الحجة إلى الأذهان «درب الجمالة» الذي كان يختصر المسافات أمام حجاج المشرق الذين يأتون عبر بوابة الطائف فوق قوافل الجمال، منذ مئات السنين، قبل شق الطرق الحديثة التي تربط الطائف بمكة المكرمة.


معلم أثري

طريق سفينة الصحراء كان يشق أكثر جبال الحجاز وعورة وارتفاعا. وعلى الرغم من هجر المسافرين درب الجمالة منذ أكثر من 55 عاما مضت، منذ وضع حجر الأساس لشق عقبة الهدا أمام المركبات، تحول درب الجمالة من طريق رئيس للمشاعر المقدسة، إلى معلم أثري يمر به المسافرون عبر مركباتهم وحالهم يقول: هل كان هذا الطريق بالفعل يختصر المسافات؟


أقدم طرق الحج

قال الكاتب والباحث في تاريخ الطائف حماد السالمي، إن طريق الجمالة التاريخي كان للتجارة أكثر منه للحج، وكانت له أهمية في حركة الحجيج والمعتمرين والبضائع، وجبل كرا الفاصل بين سراة الطائف وتهامة مكة كان يقف عقبة أمام حركة التنقل بين الحاضرتين الكبيرتين، مشيرا إلى أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما اختار الطائف وجهة أولى له خارج مكة بعد حصار الشعب، سلك طريقا يعرف بـ (الثنية)، وهي عقبة قصيرة وسهلة تقع إلى الشمال من جبل كرا، وتفضي إلى وادي نعمان من جهته الشرقية، بعيدا عن عقبة كرا، التي ربما ذهب الظن ببعض الناس إلى أن الرسول صعد منها إلى الطائف، بل حتى الرحلة الثانية للمصطفى إلى الطائف، وهي غزوة الطائف في السنة التاسعة للهجرة، سار بجيشه عبر الشرائع والزيمة، ثم اليمانية ووادي السيل، متجها شرقا إلى وادي لية، فدخل الطائف من شرقها، وعاد من الطريق نفسها.

أضاف السالمي: «حين ذلل عقبة كرا، حسين بن سلامة، الذي كان واليا على مكة، ظهر الدرب على شكل درج يتلوى بين قمة الجبل في الهدا والكر أسفله مما يلي شداد، ثم وادي نعمان، وظلت الحال على ما هي عليه طيلة ألف عام تقريبا، حتى فتح طريق ثالث، فتحول جبل كرا، من عقبة تحجز بين المدينتين والقريتين مكة والطائف، إلى مشروع حضاري أسطوري في فكرته وتنفيذه.


ما اندثر من الدربين

طالب حماد السالمي بإحياء درب الجمّالة، ودرب المشاة، اللذين تعرضا للتدمير إبان فتح جبل كرا في المشروع الأول قبل أكثر من 50 عاما، وعندما بدأ الاهتمام بالسياحة، سارت بعض الجهود نحو إعادة تعمير ما اندثر من الدربين، وجرى التفكير في تأهيل الجبل بالكامل، بإنشاء محطات وقوف واستراحات، وتشجير حواف وجوانب الطريق، بعد ذلك جاءت التوسعة الجديدة قبل سبعة أعوام، ففعلت فعلها في دربي الجمّالة والمشاة، وطمرت أجزاء لا يستهان بها من هذين الدربين، وغابت بعض معالمهما، وتكسرت أجزاء من الدرج الحجري لهما مشيرا إلى أن جبل كرا هو في حد ذاته يشكل منظومة سياحية لا تكتمل صورتها إلا بعناصرها كافة، ومن أهمها درب الجمّالة ودرب المشاة، مؤكدا أن إصلاح ما فسد من الدربين التاريخيين، مهمة ليست صعبة، وهو أمر غاية في الأهمية، وأنه من المأمول أن يتحقق ذلك في القريب العاجل.


هندسة بناء فريدة

لجنة التنشيط السياحي بالطائف نفذت قبل نحو 22 عاما مشروعا لرصف درب الجمالة وتحديد معالمه بالتعاون مع عدد من المؤرخين، إلا أن المشروع لم يكتمل بالشكل المطلوب رغم تحديد معالم أجزاء كبيرة من الدرب. وقال المرشد السياحي أحمد الجعيد، أن كثيرا من السياح يطلب زيارة هذا الطريق والتعرف عليه وعلى مساره خاصة عند ركوب التلفريك ورؤية الطريق من الأعلى. وقال مدير عام الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالطائف المكلف خالد القهرة، إن المشروع لقي اهتماما ومتابعة من رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الأمير سلطان بن سلمان، مشيرا إلى أن عناصر مشروع التهيئة الأساسية تشمل ترميم الدرب الحجري والبرك المقامة على جانبيه، وفقا لحالة البناء الأثري مع توفير مواقع مخصصة للجلسات، ومشروع التهيئة أسهم في تهيئة أجزاء مهمة من درب كرا الحجري القديم وملاحظة الحجارة المرصوفة بدقة بالغة وهندسة بنائه الفريد دون أن يطالها التلف منذ قرون. وبين أنه سيكون له أثره في دعم السياحة المحلية هو والمواقع المجاورة له بدراسة ودعم من الإدارة العامة لتطوير المواقع السياحية بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.