«لن تقودي» كان شعارا رفع في وجه فكرة عادية جدا هي قيادة المرأة للسيارة، ثم تحولت لأزمة مستفحلة مع مرور الأيام. لنقل حاليا إن القانون يمنع، والقانون لم يكن نصا مكتوبا من البداية، بل هو تحول لذلك مع مرور الأيام، مع تأزم الفكرة بسبب بعض المحاولات الشهيرة من جهة، ومن وقف داعما لها من الخارج من ناحية أخرى، وبسبب الشحن المضاد لها من خلال السؤال عن أسباب للتحريم، أو من خلال خوف متأصل عند بعض الناس من كل أمر غير مألوف، جعل فكرة القيادة مرتبطة بمخاوف شتى على المرأة ومنها.

وسط كل هذا القانون لا يمنح رخصة سواقة للمرأة، ولا يمنح أيضا رخصة لمن هم دون العمر القانوني من المراهقين فضلا عن الأطفال، لكننا اعتدنا أن نرى طالب المرحلة المتوسطة وربما الابتدائية يقود السيارة!

أذكر أنني اعتدت في أحد الأحياء التي سكنت بها في مكة على رؤية الأطفال يضعون الوسائد تحتهم ليروا الطريق! فتحولت القيادة مبكرا لتدريب على الرجولة!

أصبحت الفكرة مع الأيام أن المرأة لا يجوز لها أن تفعل ما يفعل الرجل فكأنها أصبحت فكرة أقرب للتشبه بالرجال!

ككثير من قضايا النساء التي أزمت دون مبرر تأزم موضوع القيادة، وقبل أيام اعتذر شاعر عن قصيدة كتبها

في سن صغير كما قال، وكرر أنه ملّ من الاعتذار عنها. إن كان هذا الشاعر قد ملّ اعتذاره فكم ملّت نساء من المطالبة بهذا الحق، بل ملّ بعض الرجال من طرح الموضوع حتى قال لي أحدهم يوما ألا تملين من الكتابة عن الموضوع؟! وتذكرت الأثر، إن الله لا يملّ حتى تملوا.

ومن باب الطرافة الواقعية دعت سيدة مرتاعة أمامي أن يكفينا الله شر المترو إن كان به شر قادم يحمله لنا!

لم أتمالك نفسي من الابتسام وأخبرتها بأن هناك من حرم ورفض الدراجة، وأن هذا الأمر يبدو مضحكا اليوم، وأنها ستضحك حين يسير المترو على دعوتها هذه!

«لا يعلم الشوق إلا من يكابده» فالمرفهات أو لنقل من يجدن من يكفيهن حاجتهن، أو من يقدن بحرية خارج المدن لسن مثل من اضطرتهن ظروف العمل ومشاوير الأبناء ونأي الجامعات للبحث عن حلول.

لنعد لمحاسبة المرأة ومحاسبة الطفل؛ المجتمع تصالح مع منظر الطفل حتى ضجت شوارعنا بالتفحيط والاستهتار، قبل أيام بعد منتصف الليل اقتلع شاب شجرتين وعمود إضاءة مقابلا لمنزلنا ولم أتوقع أن يتم الإبلاغ عنه، لأن هذا من باب الستر الذي اعتاده المجتمع والحمد لله على السلامة!

حسنا ماذا لو كانت امرأة هي من فعل هذا؟!

وتنتشر الكثير من الرسائل السلبية ضدنا؛ فنجد التهكم الشديد على أسلوب قيادة النساء للسيارات وعجزهن وفشلهن وكأن الرجل أو المراهق يقود بشكل لا غبار عليه! وكأننا لسنا في حالة حرب مع حوادث السيارات وكثرة الإصابات والوفيات منها، وعجز بنوك الدم عن توفير دماء للمصابين بها!

شوارعنا تصالحت مع الموت وتهشم السيارات وسقوط أجزاء منها، وتصالحت مع القيادة التي تشبه قيادة الراليات سرعة وحرصا على الانتصار إلا أنه انتصار لا يؤدي لما تحمد عقباه!

وتصالحت مع عبارات سائق جديد التي تعلق على سيارات يقودها سائق وفد من بلده وربما لم يتعامل مع السيارة قبلها، فالتدريب المستمر لكل السائقين جعل شوارعنا لا تخلو من هذه العبارة وجعل القيادة محاكاة الجديد لما يراه بلا مهارة!

من أين تأتي المهارة ممن لا ينال التدريب ثم يقود سيارته بتدريب بسيط من أبيه أو صديقه، ليفرض سلوكا خطيرا ومستفزا في مجتمع يغلب عليه صغار السن، فالتهور والاندفاع سبب لهذه الحوادث يتم التغاضي عنه، هل يمكن لأم هذا الطفل أن تكون متهورة مثله؟ أم أنها ستحسب للعواقب حسابا؟!

أخيرا لن أتحدث عن آثار أخرى اقتصادية وغيرها معروفة، لكن لنقل إن المرأة تعاني الأمرين حتى بوجود وسائل نقل أخرى، لأن مجرد ركوبها مع سائق يعد أزمة بحد ذاته لاعتبارات كثيرة.