ابتدأ العام الدراسي الجديد أخيرا والتعليم على صفيح ساخن من الآراء والقرارات والتكهنات والتهم المتبادلة في

آن واحد، وفي كل هذا ظاهرة صحية وتصحيحية يحتاجها تعليمنا في هذه المرحلة بشرط أن تكون مصلحة تطويره وتغييره للأفضل هي الهدف الجامع لكل القرارات والآراء المتداولة. لعل الشرارة الأولى التي أشعلت المشهد بعد إقرار تدريس الرياضة في مدارس البنات بدأت مع قرار ساعة النشاط المدرسي التي أقرتها وزارة التعليم قبل عدة أسابيع، ودار الجدل حولها وعن جدوى وجودها وما يتعلق بها من زيادة في اليوم الدراسي، أو زيادة العبء على المعلمين وغيرها من الافتراضات والأحكام التي بادر المعلمون قبل غيرهم في تصديرها إلى المشهد والاعتراض على القرار قبل بدء تطبيقه ومعرفة نتائجه ومخرجاته.

من واقع الميدان التعليمي الذي أعمل به وأدرك تفاصيله بقدر كاف أعلم أن الكثير من الزملاء المعلمين والمعلمات يركنون إلى الراحة، ويرغبون في أن تكون الأعمال أقل كثافة ووقتا وجهدا، وتكاد لا تخلو مدرسة أو منطقة تعليمية من لوبي معارض لكل محاولة تطوير أو تغيير قد تكون لأجل المعارضة فقط، والبقاء في منطقة الراحة التي اعتادوا عليها وحسب، هنا لا يجب أن نلقي باللوم على المعلمين وحدهم ونحن نحاول إخراجهم من زاوية اعتادوا البقاء فيها، وبناء حياتهم على تفاصيلها الثابتة في إيقاعها ومسارها، والركون إلى الراحة طبيعة إنسانية سائدة لا يقبل الخروج منها إلا من يملك شجاعة ورغبة في التغيير وتجريب عوالم أخرى أكثر تحفيزا وإثارة ودهشة. لذا فإن إلقاء التهمة على المعلمين وحدهم بأنهم سبب تراجع التعليم ومقاومة التغيير وانعدام الرغبة في التطوير ورفض كل جديد والتذمر الدائم من تغيير الرتم المعتاد اتهام غير منصف، لأنهم نتاج نظام تعليمي كامل عاش سنوات طويلة من الترهل والرتابة وعدم مواكبة التطورات العالمية في التعليم وأساليبه، ودفعهم إلى السلبية والجمود والآلية منذ سنوات طويلة، وساعد في ترسيخ أن التعليم مهنة متاحة ومريحة لا تحتاج جهدا، ولا وقتا ولا تغييرا. وهذا لا ينفي حقيقة وجود فئة أخرى تطمح إلى التغيير والتطوير وتعمل عليه وتسعى إليه بالوقت والمال والجهد، وقد تعارض وتمنع أو يتم تجاهلها لو ابتكرت مشاريع وأفكارا تهدف إلى تغيير أساليب التعليم وتخرج خارج الصندوق.

حينما أدركت وزارة التعليم منذ سنوات أن هناك ما يجب عمله لأجل تطوير التعليم، بادرت بحزمة من المشاريع التطويرية في مختلف مسارات التعليم بعضها أثبت نجاحه، والبعض الآخر لم يستهلك سوى ميزانيات مهدرة وأوقات ضائعة لن تعود، أو أنه كان شكليا لم يمس عمق التعليم وما يحتاجه من تغيير، أو لم يخرج عن الأطر التقليدية في التطبيق الورقي والصوري البعيد عن حاجة الميدان واحتياجات العاملين فيه وانعكاسه على العملية التعليمية ومخرجات الطلاب، ففقد بعض المعلمين بطريقة أو بأخرى الثقة بأي محاولات للتطوير، واختار البقاء في «منطقة الراحة» التي تضمن له عملا مريحا وجهدا ثابتا ومصدر دخل مضمونا، وصار كل مسؤول من وزير

أو مديري تعليم أو مديري مدارس يساعد في الحفاظ على هذه الراحة من عدم زيادة للأعباء العملية أو المتطلبات التطويرية أو زيادة وقت العمل مع تعليق للدراسة أو تمديد للإجازات هو مثال للمسؤول الجيد، ومن يعمل العكس يعد متحاملا عليهم ومحاربا لهم. فعلى سبيل المثال؛ رفض الكثير من المعلمين قرار ساعة النشاط المدرسي التي ستطبق لمدة أربعة أيام في الأسبوع في العام الدراسي الحالي، ركز فيه المعارضون على زيادة ساعات الدوام أكثر من الفائدة التعليمية والتربوية والنفسية التي قد يحصل عليها الطالب، وآخرون رفض هذه الساعة لطبيعة النشاط المدرسي المطبق في المدارس بشكل آلي وممل، وآخرون بسبب ازدحام وقت المعلم في أغلب التخصصات بالأعمال المنهجية، بينما البعض رفض لمجرد الرفض، ورغبة في البقاء في منطقة الراحة والاعتياد. وهذا ما سيكتشفه الزملاء المعلمون والمعلمات مع بدء هذا الأسبوع ككل عام عند بدء تقسيم الأعمال المدرسية سواء المنهجية أو اللامنهجية وكمّ التذمر والشكوى والتملص الذي يحدث في بداية العام الدراسي من أغلب الطاقم التعليمي.

 إن قلة الدافعية لدى المعلمين والطلاب على السواء لها جانب شخصي تراكم مع سنوات الاعتياد والإحباط، فأصبحت تهم التقصير تتبادل بين الوزارة والمعلمين والطلاب وأولياء الأمور، وصارت المدارس معاقل ينتظر الخلاص منها كل من فيها بنهاية اليوم لشحوبها وخلوها من عوامل الجذب، والجانب آخر يرتبط بالنظام التعليمي بشكل عام وخلو سياسته من رؤية واضحة وأولويات معلنة وفلسفة قابلة للتطبيق والمرونة مع تغيرات العصر وتحديات الحياة والتركيز على بناء شخصية الطالب ليكون متعلما وباحثا ومتسائلا ولو كان يدرس في أبسط الإمكانات المادية والبشرية.

الخطوة الأولى لتصحيح الخطأ هو الاعتراف بوجوده، والإيمان بأن التغيير ضرورة يجب أن ينطلق من رغبة داخليه لا أن يفرض وحسب من الجهات المسؤولة. قضية التعليم لدينا واحتياجاته قضية شائكة، وليست من السهل بتسطيح واختصار، والحاجة إلى التغيير فيها ملحة وعاجلة رغم كل ما يبذل من جهود رسمية وفردية من العاملين في الميدان التربوي، والأمل كبير في المحاولات التي تقوم بها الوزارة من تغيير لواقع التعليم وتطويره عبر عدة برامج يجب أن يتم البت فيها دون تراجع، وأن تكون بداية لجملة من التصحيح والتغيير الجذري للتعليم والذي يحتاج فصولا أخرى من الكتابة.