(يرتبط الحج في ذاكرتي البعيدة.. بولائم الأضحى ولعبة «القيس».. الشهيرة.. التي تمارسها نساء الحي في ليالي العشر الأُوَل..تلك اللعبة البريئة التي مارستها أمهاتنا وجداتنا للترفيه..)، هكذا يردد الكاتب سعود العتيبي، ابن مكة المكرمة، وهو يستعيد طقسا فلكلوريا كانت تعيشه العاصمة المقدسة، إلى ما قبل قرابة الأربعة عقود، قبل أن تطال التحولات الحج، ويندثر (القيس ) كفلكلور كان يميز أيام الخليف في مكة، حتى منتصف سبعينات القرن الميلادي الماضي تقريبا، ولم يقتصر القيس على مكة فقط، فبعض أحياء جدة كانت تنظمه أيضا، ومن أبرزها حي النزلة.


حفلة تنكرية لنساء مكة


عبارة عن مسرحية تمثل فيها أدوار لشخصيات مسؤولة عن الأمن والأمان، تستمر لمدة ثلاثة أيام في مكة، تشارك فيها النساء فقط يوم الوقوف بعرفات إلى يوم العيد، وتبدأ السيدات قبل الحج بعدة أشهر في اختيار الأدوار وتوزيعها، واللاتي يقمن بدور الشريف، والتي تلعب دور الضباط وشيخ الحارة، ويكون لهن حرية الخروج إلى ما بعد منتصف الليل، ويتنكرن بملابس الرجال ويؤدين أدوارهن، وتكون الأيام الثلاثة مهرجانا غنائيا تنكريا.


تجسيد الخيال


تبدأ فعاليات الأغاني التي اشتهرت بها النساء في مكة أيام (الخليف) عندما يتوجه الحجيج إلى عرفات لتأدية الحج، ويبقى الصمت مخيما على أرجاء مكة، حيث لا يبقى فيها غير الذين لم يتيسر لهم الحج وصعود عرفة ومنى. وما إن يرخي الليل سدوله حتى يخرجن متنكرات في أزياء مختلفة يتفنن في إظهار أجمل الأصوات وأحسن الإيقاع في تنافس شديد بين كل حارة وأخرى لجذب أكبر عدد من المشاهدات، حيث يبدأ قرع الطبول، وتنقسم الحاضرات إلى مجموعتين، تبدآن الإنشاد،

المجموعتان تغنيان وتصفقان:

يا قيسنا يا قيسنا

هيا معانا بيتنا

نسقيك من شربيتنا

ونطلعك في بيتنا

وتستمر الأهازيج هكذا بالتبادل، إلى فجر آخر ليلة من ليالي العيد، حين يصيح شيخ الحارة:

هيا هيا على البيت

القيس غلق هيا على البيت

هيا هيا على البيت

هيا هيا زي الطير

الليلة غلقت

والسنة الجاية بخير

وترد عليه المجموعتان:

وبعودة يا محلى الصفا

وبعودة من العايدين.

ويتفرق بعدها الجميع.


إبداع وانعتاق


يقول عالم الاجتماع الدكتور أبوبكر باقادر: تبدو المرأة المكية في فلكلور القيس كأنها تجسد الخيال بتقمص شخصية الرجل في غيابه، وتؤكد وجودها عبر هذا المهرجان النسائي الخالص الذي أذكر أنني عشته في طفولتي البعيدة قبل أكثر من خمسين عاما، حين كانت المدينة تخلو من الرجال، ومن لم يذهب منهم للحج، لا يجرؤ على الظهور، لأنه لو ظهر في الشارع نالته عصي النساء المتنكرات في أزياء رجالية، يتنقلن من حارة لحارة وهن يرددن الأهازيج في إبداع تمثيلي، يظهرن من خلاله الانعتاق من الهيمنة الذكورية لأيام معدودة.


6 عادات وتقاليد شعبية


رحلة الحج ظلت على مدى التاريخ الإسلامي الحلم الكبير الذي يبدأ بكتابة وصية الحاج استعدادًا للرحيل إلى مكة المكرمة لأداء الحج، وأنتجت فولكلورها الخاص، حتى خارج مكة.

في معظم بلدان العالم الإسلامي نشأ تقليد ما يعرف «باستقبال الحجاج» العائدين من مكة، وبشكل بهيج من الأقارب، والأصدقاء، والجيران، تصحبه احتفالات يُقدم فيها ما يعرف بأسماء محلية في كل بلد.   في مصر خلف الحج 6 عادات وتقاليد شعبية متوارثة، بينها أطباق قادمة من التاريخ، صبيحة أول أيام العيد. والتقاليد الستة اللافتة، هي: زيارة المقابر صباح يوم العيد، وتوزيع الفاكهة والكعك هناك، تلطيخ كف اليد بدماء الأضحية، وطبعها على المنازل والسيارات، وزيارة الأقارب والأصدقاء عقب صلاة العيد. إلى جانب تتبع الفقراء لعلامات الدماء وتجمعات الأضاحي لنيل بعض لحومها، وتعطير المصلين قبل صلاة العيد، فضلاً عن تناول «الفتة» و«الرقاق» (مخبوز رقيق خفيف الوزن).


احتفالات استقبال الحجاج في بعض الدول:

 «الهدي» في أوزباكستان

 الأباعخي في إرتيريا

 الوليمة في كينيا

  الدوجراما في تركمنستان