تلقيت قبل سنوات دعوة كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن خالد الفيصل رئيس مجلس إدارة مؤسسة عسير للصحافة والنشر، للكتابة في صحيفة الوطن السعودية التي تصدر من مدينة أبها. وكنت قد زرت هذه الصحيفة في مقرها بعد تأسيسها بقليل، وأعجبت بنموذجها المتطور في التحرير والإخراج والتوزيع، وربما تكون صحيفة الوطن السعودية أول صحيفة عربية ممكننة بالكامل، واعتبرت هذه الدعوة الكريمة بمثابة فرصة ثمينة للتلاقي مع القرّاء السعوديين الأعزاء بانتظام صباح كل يوم سبت.
أكتب هذه الكلمات بصدق وشفافية وبإحساس عميق نحو البيئة السعودية التي كانت ولا تزال محل تأملي واهتمامي في البحث عن المشترك معها من قضايا وموضوعات، وكنت أحرص في كتاباتي على اختيار كل ما يتلاءم مع ثقافة المجتمع السعودي وأخلاقياته واهتماماته، وكنت شديد الانتباه لآداب الاستضافة بما يليق بدعوة صاحب السمو للكتابة في صحيفة الوطن الغراء، وبمساعدة كريمة من الدكتور عثمان الصيني رئيس التحرير والأستاذ أديب آغا مدير التحرير والزملاء الكرام.
الالتزام الأسبوعي بالكتابة في «الوطن» السعودية جعلني مقيما افتراضيا في المملكة، وأصبحت معنيا بشكل مباشر وتفصيلي بكل اهتمامات المجتمع السعودي، وخلال هذه السنوات الطويلة كنت أتابع صحيفة الوطن يوميا عبر موقعها، وأقرأ العديد من كتّاب اليوم، وأتوقف طويلا عند الأكثر قراءة منهم لأتعرف على اتجاهات القارئ واهتماماته. وكنت أتابع المواقع الخاصة بالزملاء الكتّاب والتفاعل بينهم وبين متابعيهم على اختلاف اهتماماتهم بين السياسي والاجتماعي والإنمائي والنقدي، وقد تشكل عندي انطباع عام أن القرّاء السعوديين لديهم اهتمام استثنائي بقضايا وطنهم وأمنه واستقراره وازدهاره وتمايزه، انحصرت كتاباتي في متابعة القضايا العربية والإقليمية والدولية والفكرية، وخلال هذه الاستضافة الطويلة لاحظت أيضا رفعة في المتابعة لدى القرّاء السعوديين للتطورات في المنطقة والعالم.
الكتابة هي التزام وتوثيق وتأريخ وإيضاح وتفاعل، ومهما تعاظم الاحتراف لدى الكاتب فإنه بحاجة دائمة إلى وجود مخاطَبْ محدد ورفيع المستوى في كل مقال، وقد يتغير المخاطَبْ بين موضوع وآخر، لأن وجود المخاطَب هو من أعمق أسرار الكتابة، وكذلك هو التخاطب في شتى مجالات الإبداع، فالرسام يحاكي عينا بعينها والخطيب يخاطب آذانا محددة، وخلال السنوات الجميلة والدقيقة في ضيافة «الوطن» السعودية أعترف بأن المخاطَب الكبير والوحيد في كل مقال كتبته كان إيمان ووطنية وعروبة وفكر وإبداع وحكمة مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة، صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، رئيس مؤسسة الفكر العربي، الرجل القدوة الذي شرفني بثقته الثمينة طوال عقدين من الزمن أو أقل بقليل، تعلمت خلالها من سموه الكثير الكثير من المبادرة التضامنية إلى النهج الجديد، وكان سموه يكرمني بقراءة بعض مقالاتي في «الوطن» السعودية.
اليوم السبت 23 سبتمبر ذكرى اليوم الوطني السعودي السابع والثمانين لانطلاق مسيرة المملكة العربية السعودية، الدولة العربية الإسلامية الاستثنائية التي تتألق بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، بالعمل الدؤوب على سلامة وراحة ضيوف الرحمن، وعلى تقدم وازدهار المجتمع السعودي المتميز بالعلم والمعرفة والمبادرة والابتكار، والحرص على تثبيت مكانة السعوديّة العالمية كإحدى الدول العشرين الكبار في العالم، وأيضا بالتحول والرؤية الاستراتيجية، مع كل الحزم في مواجهة الفوضى والتدخلات الخارجية التي تهدد استقرار أشقائها العرب، مع العمل الدائم على لمّ شمل العرب والمسلمين، بالإضافة إلى العزم بالتصدي للإرهاب ومنابعه ومصادر تمويله، وإدراك خطورة التطرف وأهمية الاعتدال، وبناء التحالفات الاستراتيجية من أجل استقرار مجتمعاتنا والعالم، أتوجه بأصدق الأمنيات والتهاني والتبريكات باليوم الوطني السعودي عبر «الوطن» السعودية.