شهدت البلاد هذا الأسبوع احتفالات عديدة ومتنوعة بمناسبة اليوم الوطني السعودي. كانت هذه الاحتفالات مناسبة للعائلة السعودية الكبيرة للاحتفال ببيتها الكبير. تميزت احتفالات هذه السنة بكونها أكثر ضيافة واستقبالا للتنوع السعودي. الكبار والصغار، الذكور والإناث، حصلوا على فرصة للاحتفال والمشاركة الجماعية. المزيد من الأبواب كانت مفتوحة للمرأة السعودية للمشاركة في المزيد من الاحتفالات. ما أود الحديث عنه في هذا المقال هو حالة السلم الأهلي العميق التي رافقت الاحتفالات ودور الفنون فيها، وأثر ذلك على الشعور الوطني بشكل عام، كما على دور ذلك في تصميم بيئة اجتماعية قادرة على توفير الشروط الأساسية لأفراد مبدعين ومجتمع منتج.

شهدت احتفالات اليوم الوطني مشاركة أعداد كبيرة من المواطنين والمواطنات والمقيمين والمقيمات في أماكن وأنشطة مختلفة. التقارير التي وصلتنا، بالإضافة لمشاركتي الشخصية في عدد من النشاطات، أظهرت شكلا جليا من أشكال السلم الأهلي المتمثل في وجود شرائح المجتمع مع بعضها بروح سلسة واحتفالية وبنسبة دنيا من العنف والخلافات. لماذا التأكيد على هذه النقطة؟ أليس المجتمع السعودي مثله مثل المجتمعات الأخرى التي تحتفل بسلام وبشكل طبيعي؟ لماذا الحديث عن هذه الاحتفالات وكأنها إنجاز فريد؟ نعم هناك مبررات للحديث عن احتفالات اليوم الوطني بهذا الاحتفاء، مبررات خاصة بالحالة السعودية ولن يفهمها إلا من تابع الخطاب السائد في السعودية في العقود الماضية. الفضاء العام في السعودية قد تم تشويهه لفترات طويلة من خطابات متشددة نشرت حالات الشك والاشتباه وسوء النية بين الأفراد. بحسب تلك الخطابات فإن أي تجمع كبير لا يديرونه هم فإنه يعني تجمعا سلبيا لن يحدث فيها إلا اختراق للآداب العامة والاعتداء على الآخرين. تم تصوير الشاب السعودي على أنه ذئب والشابة السعودية على أنها ضحية مؤكدة بمجرد خروجها من بيتها الصغير إلى بيتها الكبير، وطنها. هذه النظرة رسمت حالة من الاكتئاب على الفضاء العام، وحالة من العمل اليومي لمكافحة الفقر والاحتفال، وجعلت الجماعات السعودية تعيش في جزر متفرقة. احتفالات اليوم الوطني، كما لاحظ كثير من المراقبين، قدمت شاهدا واقعيا على عدم صحة النظرة السابقة، وأنها لا تمثل حقيقة الواقع بقدر ما تمثل منطقا من طرح تلك التصورات وعززها لفترات طويلة. من هنا تأتي رمزية تلك الاحتفالات وقيمتها الحقيقية. الاحتفاء بنجاح الاحتفالات لا يسعى لتقديم المجتمع السعودي بشكل مثالي، ولكنه يسعى لتجاوز النظرة المنغلقة التي كانت تعمل على إعاقة كل مشاريع الانفتاح، وتوسيع مشاركة الشابات والشباب السعوديين في النشاطات العامة.

النقطة الثانية التي أحب تسليط الضوء عليها هي دور الفنون في الاحتفالات الوطنية. المجتمع السعودي مثل بقية المجتمعات غني بالفنون الشعبية والفنون الموسيقية، وفنون الرقص التي هي في الأخير الروح التي تحيط بنشاطات الفرح. كانت الاحتفالات الوطنية استثمارا واسعا للتراث الشعبي والفنون الحديثة، واستطاعت توظيف هذا التنوع في صالح توفير أجواء احتفالية ساعدت الأفراد والأسر على قضاء وقت ممتع ومفيد. الحضور الموسيقي في الفضاء العام السعودي له رمزيته كذلك، فلفترات طويلة كان هذا الحضور محدودا جدا إن لم يكن معدوما لذات الأسباب المحافظة التي شنت حروبا لا هوادة فيها على الموسيقى والفنون، رغم إقبال الأفراد عليها بشكل كبير وثراء الثقافات المحلية بأنواع مختلفة من الفنون. الموسيقى والأغاني في الاحتفالات تمثل الشريك المتعالي لأفراد الاحتفال. الصوت المشترك الذي يناديهم جميعا ويجمعهم في إيقاع وإطار واحد. الموسيقى هنا تصبح رابطا بين الأفراد الذين لا يعرفون بعضهم. الجميع يستمع لذات الأصوات والكلمات في حالة من تشكل شكل من أشكال المجتمع الموسيقي، أي المجتمع المؤسس على الرابطة الموسيقية. الموسيقى الوطنية بطبيعتها تحمل في داخلها المشترك الوطني الذي يشكل رابطة إضافية بين المحتفلين، مع أن عددا من الاحتفالات نجحت في استثمار الموسيقى خارج السياق الوطني في إحداث حالة من الترفيه والفرح بين المشاركين.

المشاهد السابقة مشاهد مفرحة ومبهجة تساعد على توفير بيئة مضيافة للمواطنين والمقيمين في بلدهم. الأمل أن تمتد هذه النشاطات لتشكل حالة مستمرة ومستقرة في الثقافة المحلية. أي أن تصبح روتينا وخيارا متوفرا للأفراد والجماعات في جميع الأوقات. الحياة السعيدة المتوازنة في الأخير تحتاج لثلاثة عناصر أساسية: أولا: إيمان واعتقاد يعطي للإنسان قيمة لحياته وقيمة لأفعاله وأثرها على الآخرين. ثانيا: عمل ينتج من خلاله ويكسب رزقه ويشعر بفاعليته ومساهمته في الإنجاز. وثالثا الترفيه الذي يساعد الإنسان على الاستمتاع وتجديد الطاقة والعودة بفعالية بعد كل أسبوع من العمل. التحولات الاقتصادية في السعودية ومع ما سيرافقها من التأكيد على الإنتاج في العمل ورفع مقاييس تقييم ذلك الإنتاج لن تحقق دورها إلا مع توفر بيئة صحية من الترفيه المتمثل في خيارات متعددة ومتيسرة لفئات المجتمع المختلفة. الترفيه كما نعلم صناعة وتتأسس مع ثقافة عامة في المجتمع. الاحتفالات الوطنية الناجحة تعطي زخما واسعا للدفع باتجاه المزيد من التأسيس الحضاري لثقافة وصناعة الترفيه تساعد على بناء الأساس الثالث في معادلة الحياة السعيدة والمتوازنة.