شاهدت مقابلة تلفزيونية مع رئيستي اثنتين من أفضل جامعات العالم سوزان هكفيلد رئيسة معهد ماساتشوستس MIT ودرو فوست رئيسة جامعة هارفرد، وكنت أظن أن الحديث سيكون عن مرافق الجامعة ومعاملها وإمكانياتها ومشروعاتها إلا أن الحديث كان ينصب على "المنتج".

من هو المنتج؟ وكيف سيكون؟ وما هي أهدافه أثناء الدراسة في الجامعة؟ الفرق بين الحديث عن الإمكانيات والمنتج فيه فارق كبير. فالإمكانيات رغم أهميتها تشكل المظهر لأي مؤسسة. والمنتج يشكل الجوهر وهو الأكثر أهمية. والذي يصنع الفرق في أي مؤسسة من عدمه هو على أيهما نركز. المظهر جانب ظاهر ماثل للعيان ويحلو للكثيرين من مدراء ورؤساء المؤسسات حكومية أو غيرها التركيز عليه لأنه يجلب الأضواء ويبرز ويلمع بشكل سريع هذا المدير أوذلك الرئيس، وعندما يتوقف الأمر على الاحتفائية بالمظهر تحل الكارثة بالمؤسسة وتراوح في مكانها وأظن شخصياً أن هذا سبب بقاء الكثير من المؤسسات تراوح في مكانها. أما الجوهر فهو خفي وتجريدي Abstract ويحتاج إلى جهد علمي وعقل مدبر وتقويم فعال للغوص فيه ومعرفة مدى النجاح والإخفاق فيه لتعزيز مواطن النجاح وتقديم الحلول المبنية على نتائج ذلك التقويم العلمي للارتقاء به وتقديم شواهد وأدلة وأمثلة من الميدان ـ لا قصص جميلة بعبارات منمقة ـ على النجاحات المتحققة.

رئيستا الجامعتين تحدثتا فقط عن المنتج (الطالب). وقالتا: إن الجامعة ملزمة، ركزوا معي على كلمة ملزمة. لأنها إذا لم تحقق ما التزمت به فهي مخفقة في تحقيق الهدف الذي أنشئت من أجله. إن الجامعة ملزمة على أن يكون الطالب الذي يدرس فيها لديه حب وشغف Passion بشيء يتعلمه. هذا أول شرط. والشرط الثاني أن ينغمس في دراسة فكرة أو عمل جديد يقدم خدمة لمجتمعه وللعالم. يكتشف مشكلة ويعمل على حلها ليجعل من المجتمع والعالم الذي يعيش فيه مكانا أفضل مما كان فيه. ودور الجامعة تغذيته بالحماس والتفاؤل لينجح في تقديم شيء مختلف لمجتمعه وللعالم. وقالتا: إن جامعتيهما تعملان وتتعاونان لتحقيق ذلك مع الحكومة ومع المصانع. ولهذا تلتزم الجامعتان دائما باتخاذ مسارات جديدة للتغيير وتركزان على ما يسمى بالاقتصاد المعرفي Knowledge Economy. وقالتا: إنهما يشتركان في العمل على تقديم الخدمة العامة وعلى شيء يغير العالم. وقالتا: إنهما يعرفان أن المنافسة شرسة وإن بلدان أخرى تسعى للتفوق على الولايات المتحدة التي تشكل الصناعة فيها 20% من الصناعات في العالم وإن هناك مشكلات جديدة تواجه العالم لا بد للجامعات من التصدي لها وحلها. هذا هو المستوى الذي تفكر به الجامعتان وهذا هو المستوى الذي تريد لمنتجهما أن يكون فيه وهذا هو حجم المشروعات التي تعمل عليها.

هنا انتهت المقابلة ودعونا نتعرف على بعض منجزات واحدة منهما لنعرف نتيجة هذا المستوى من التفكير والمشروعات والجهد. ولنأخذ جامعة MIT مثالاً. الرنين المغناطيسي GPS، وwww نتاج هذه الجامعة وقامت عليه صناعات قوّت الاقتصاد ونهضت به.

قامت بتحويل اكتشافات طلابها إلى صناعات تلعب دوراً أساسيا لتحقيق ما يسمى اقتصاد المعرفة.

تسعى مع الحكومة إلى تعديل نظام الهجرة ليسمح ويسهل للمواهب القادمة للتعليم بالبقاء والعمل بشكل دائم. عدد من الفائزين بجائزة نوبل من هذه الجامعة. (ثمانية من الفائزين بجائزة نوبل عام 2009 في الطب والفيزياء والكيمياء من أمريكا.) أربعة منهم ولدوا خارج أمريكا.. وأتوا إليها كطلاب دراسات عليا في العلوم. ووفقاً لمجلة

Technology Review Magazine فإن ستة فقط من 35 مخترعاً اعترف بهم عام 2009 أنهوا دراسة الثانوية في المدارس الأمريكية وقام 2340 طالبا أجنبيا تخرجوا من جامعة MIT بتأسيس شركات في أمريكا توظف أكثر من مئة ألف موظف.

وفوق ذلك تطالب الجامعات القيادية في أمريكا الحكومة الأمريكية بتبني نظام هجرة جديد يسمح للطالب الأجنبي بالبقاء والعمل فيها منذ قدومه للوهلة الأولى حتى يشعر بالأمن والاستقرار منذ البداية. وفي رأيي أن الدرس الأول المهم الذي نتعلمه من كل ذلك هو لا بأس بالاهتمام بالمظهر لكن الجوهر هو الذي يجب أن نركز عليه لنقوم بتبني مشروعات كبيرة تصنع الاختلاف في مجتمعنا وفي العالم. وتصنع الفرق الذي يجعل من عالمنا عالما مختلفا بلا مشكلات. المنتج يجب أن يحب ما يعمله ويفكر في تقديم شيء جديد. يتوقع مشكلة قبل حدوثها ليقدم لها حلولاً تمنع حدوثها والمعاناة من آثارها. تجعل من المنتج محباً لما يعمله متفائلاً بالنجاح متحمساً للوصول إليه. إننا نعيش في عالم المنافسة فيه شرسة. عالم لا يرحم الكسالى والمتخاذلين. عالم لا يحترم الضعيف ولا يقيم له وزناً. وبـهذا المستوى من الـعمل والتفكير والرؤية نستطيع أن نحقق المنافسة والقوة ونكسب الاحترام ونخدم مجتمعنا وعالمنا.

الجـامعات لا بد أن تعمل بـهذا المستوى، فهي قائدة المنافسة وقائدة القوة وقائدة الاحترام. وهي بالمقابل المـسؤولة الأولى عن الضعف والانهزام والتخلف والتجاهل.