مؤخرا شاركت في مؤتمر دولي عقد في الأردن، نظم بالمشاركة بين جامعة بنسلفانيا الأميركية ومركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية. المؤتمر عبارة عن قمة مراكز الفكر الدولية والإقليمية لعام 2017، شارك فيه أكثر من 40 مركزا من مراكز الفكر والدراسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، علاوة على بعض مراكز الأبحاث من دول أوروبا، بخاصة إيطاليا وألمانيا. ويهتمّ المؤتمر بتصنيف «مراكز الفكر» أو ما يسمى بـ«Think Tanks»، وهو مرتبط بشكل مباشر ببرنامج مراكز الفكر والجمعيات المدنية في جامعة بنسلفانيا الأميركية، والمشرف على دليل التقرير السنوي لمراكز البحوث والفكر حول العالم، وهو بمثابة تصنيف دولي لترتيب مراكز الفكر على غرار تصنيف الجامعات والأكاديميات ونحو ذلك.

عند الاطلاع على التصنيف الدولي لتلك المراكز نلحظ غياب مراكز الأبحاث السعودية المسجلة ابتداء في السعودية عن التصنيف الدولي، على الرغم من وجود مراكز عديدة بالجامعات السعودية، فيوجد قرابة 25 مركز دراسات تائها في أروقة الجامعات لا أحد يعلم عنها شيئا، ربما حتى في الداخل، ناهيك عن الخارج، وتبدو منغلقة على نفسها وليس لها أي نشاطات تذكر خارج إطار الجامعة، بل إن بعضا منها يكتفي بنشاط بحثي ضئيل ولا يقيم أي أنشطة أو فعاليات كالمؤتمرات وورش العمل والندوات والمشاركات الخارجية ونحو ذلك.

إن المشاركة البحثية من مراكز الأبحاث السعودية ومنسوبيها تحتاج إلى وقفة جادة من وزارتي التعليم والثقافة والإعلام، فمن المحزن أن يغيب اسم بلد كبير مثل السعودية بشكل شبه تام عن قائمة بيوت الخبرة العالمية.

ومن المعلوم أن مكانة ودور مراكز الأبحاث وبيوت الخبرة تختلف من دولة إلى أخرى، فلو تحدثت عن المملكة العربية السعودية على سبيل المثال، فمع رؤية 2030 أو قبل صدورها بقليل حصل توجه جديد لدى الحكومة بالدفع باتجاه تأسيس مراكز فكر حكومية، علاوة على تسهيل منح تراخيص لمراكز دراسات أهلية، ولعل مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية من أوائل هذه المراكز البحثية التي أُسّسَت خلال هذه الفترة، وتبعه تأسيس عدد من المراكز البحثية، لكن الوطن لا يزال يحتاج إلى مزيد من مراكز الأبحاث الجادة التي تقدم خدماتها المعرفية والبحثية للمجتمع والمؤسسات الحكومية والأهلية، وتُسهِم عبر منتجاتها في حضور سعودي في التصنيف الدولي لبيوت الفكر ومراكز الدراسات.

إن إدارة الأزمات واستشراف المستقبل ومعالجة القضايا التخصصية تساعد صانع القرار في تفادي كثير من المشكلات، وتجنب الصعوبات المختلفة ومعالجة الأمر قبل حدوثه، لذا فمن الضرورة بمكان إدراك أن مراكز الأبحاث -بخاصة المتخصصة منها- تُسهِم بشكل حيوي في صناعة الخبراء في قضية فرعية دقيقة في مجال تخصصها، وهذا إن تم فإنه يخلق باحثين متخصصين يُعتبرون ثروة وطنية يمكن الاستفادة منها في القطاعات المختلفة، ومن ثم يساعد صانع القرار في فهم كل قضية من زوايا مختلفة، وقد لا يكون قادرًا على ذلك دون مساهمة مراكز الأبحاث.

كذلك ينبغي للجهات الحكومية المختلفة الاستفادة من مراكز الأبحاث والتعاون معها، وتشجيع ثقافة التواصل المعرفي بين الجهات الحكومية ومراكز الفكر، للوصول إلى فهم أفضل للموضوعات ذات الاهتمام المشترك وتبادل الخبرات في هذا الصدد.