سأقول شيئا أظنه عابرا لمن لا يهتم، لكنه كلام من ذهب وسُحب، وهو الكلام الذي قاله الشاعر الكبير الراحل مساعد الرشيدي، في أذن ابنه ثامر قبل رحيله بأيام، وآلام:
«أوصيك يا ولدي بالصلاة، وانك تفرح بالحياة دايم وتكون مبسوط»، وهكذا في اثنتين، خضراء بارد ظلالها، اختصر مساعد الحياة.
سأدخل من هذه الاثنتين إلى عالم مساعد الشخصي والشعري، لأقول: هناك حسّ إيماني رفيع وساجد، في تجربة مساعد الشعرية، وهو يتناثر في عشرات القصائد التي في عز انكسار النفس، لا تتوجه بلغتها وإيمانها الحقيقي إلا لله فقط، لا لصديق، ولا لجاه، ولا لمال، مهما كبرت جماهيرية الشاعر ومساحة تأثيره:
«بحماك يا مسرع الخطوات ومريضها
من ساعةٍ ميلها يثقل بمعدالها
أخاف بكرة ليا حميت مراكيضها
من طيحة البشت والبسام وعقالها»
و:
«من خلقنا الله وحنا عزيزين النفوس
ما نوطّي شُمّخ الروس غير لربها».
وغيرها من نماذج تكشف عن روحانية مساعد الشعرية.
ثانية الوصايا، هي أيضا واحدة من أهم سمات الراحل شعريا وشخصيا، فحكاية المرح والابتهاج بالحياة، جزء من صميم شخصية مساعد وشعره، فاختياره أوزان ونغمات نصوصه وتفعيلاتها، وحديثه المبتهج دائما بالشعر وما حوله، هو ابتهاج بالحياة نفسها، ولهذا عاش حياته ليس محبا وعاشقا لفكرة الفرح بالحياة، وإنما بات يشع فكرة الفرح في محيطه من الناس، والجمهور وقراء الشعر، فالحياة بالنسبة إليه تستحق تلك البهجة، وتلك الشاعرية في التعامل معها، حتى آخر يوم في روزنامة ساعاتها وأوراقها.