بحمد الله ومنّته، ثم بحنكة وحكمة القائد الشجاع خادم الحرمين الشريفين؛ الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود تحقق للمرأة السعودية أحد أهم مطالبها الحياتية، حين أصدر-حفظه الله- قراره الشجاع بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، لتتوالى بذلك الامتيازات التي ظلت المرأة السعودية تُمتع بها عبر عصور الخير الزاهرة، في ظل الحكومة السعودية، بدءا بالسماح لها بالتعليم في عهد القائد المؤسس جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، ثم إتاحة الفرصة لها لتشارك في التنمية الوطنية مع الرجل يدا بيد، وانتهاء بهذا القرار الذي انتظرته طويلا.

هذا القرار السيادي الشجاع يكشف عن قيادة حكيمة، تحسن قراءة متطلبات المرحلة، وتتفهم احتياجات المواطنين، وتبصر مصالحهم بعين الشريعة والقيم السمحة للثقافة الإسلامية، وتختار الوقت والآليات المناسبة لتحقيق الأهداف والمقاصد.

من يتأمل هذا القرار بعين بصيرة يدرك أنه أمام مدرسة عظيمة في صناعة القرار، فحين يأمر- أيده الله- بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، ثم يضع أمام هذا الأمر وموعد تنفيذه وقتا كافيا، يمتد إلى تسعة أشهر، يؤكد للجميع حرصه على توفر البيئة المناسبة؛ اجتماعيا وإداريا وأمنيا، للتنفيذ، فتسعة أشهر كفيلة بوضع الأنظمة والاستعدادات التي لابد من توفرها وقت التطبيق.

تلك الحكمة في اتخاذ القرار هي ضالة بعض المسؤولين في بلادنا ممن يجعلون من قراراتهم فلاشات مثيرة، غايتها الاصطدام بالمجتمع وإثارته، فحين يُصدر مسؤول ما قرارا، ولا يترك بين يدي الأمر به وتنفيذه مدة كافية، تكفل له النجاح وتحقيق الأهداف، يكون قد تسرع إلى الدرجة التي لا تستغرب معها ردات الفعل المعارضة والمضادة أحيانا.

لقد ضرب خادم الحرمين الشريفين المثل للمسؤولين، في كافة القطاعات، في الحكمة والأناة، التي تجعل المجتمع كله يترقب بهدوء اكتمال منظومة العمل من أجل التنفيذ السليم للقرار. تلك الحكمة لا يمكن تعلمها إلا في مدارس القيادات العظيمة، التي تسبق إلى المجد وتراهن على الخلود.

هذا القرار الشجاع المتريث، يحتاج من المسؤولين إلى قراءة جادة، يتعلمون من خلالها كيفية اتخاذ قراراتهم، وبحث الآليات التنفيذية لها، بما فيها تحديد مدة كافية بين الأمر والتنفيذ، تجعل المجتمع مغتبطا سعيدا يترقب، لا غاضبا ممتعضا يتعجب.

لا حجة بعد هذا الدرس الشجاع لمسؤول في الدولة في إصدار القرارات هكذا، كيفما تأتى؛ بدون آليات، ودون النظر في توفر البيئة الصالحة للتطبيق. لابد أن يتعلم المسؤولون في مدرسة خادم الحرمين الشريفين أن القرار الشجاع، الذي غايته تطوير المجتمع والنهوض به، يحتاج إلى وقت، يكفل سلامة التنفيذ وتوفر اشتراطاته المناسبة، ففي الحكومات الكبيرة، لا مجال لقرار يُعتمد اليوم وينفذ غدا، هذا ما علمنا إياه سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في مدرسته العظيمة، فإما أن يأخذ به المسؤولون وإما أن يتركوا القيادة لمن يعرف أصولها ومبادئها.