ليس هذا منطقا، وهذه قضايا شخصية، إنما المرحلة بحاجة إلى تفكيك الألغام، وتعزيز الوحدة الوطنية، وزرع الثقة، والشهادات في الوطنية لا تمنحها لا المقالات ولا المقولات، وإنما العمل المخلص، أنا لست مع هذه المعارك التي ترتبط بتعليمنا. نريد نقدا للطرائق والمناهج والخطط والسياسات التعليمية وفق الإحصاءات والبيانات والحقائق، مع تقديم الحلول والأفكار النيرة في شكل أبحاث ودراسات، بدلا من أن تتحول مؤسساتنا التعليمية إلى ساحة صراع بين أفراد متناحرين أو أحزاب متعصبة.

 بصراحة كل الأطراف لم توفق في ما تقوم به، لأن التعليم يجب إبعاده عن هذه الصراعات، لأننا جميعا شركاء في التعليم، وكلنا ضد من يسيء إلى التعليم، ويستفز الأساتذة والطلاب والمجتمع والدولة في صراعات لا تخدم التعليم. حديث المملكة وخارجها عن صراع الوزير مع صحفي، وهذا لا يجب أن يكون. الشيء الأهم أن تعليمنا مرتبط بديننا الحنيف الذي هو سبب عزتنا وكرامتنا، ولولاه لكنا ضمن قائمة الغوغاء من دول العالم المتخلفة التي لا مكان ولا مكانة لها بين الأمم لو لم يكن هذا الدين. وليس لدينا منتج نفتخر به سوى ديننا الحنيف الذي نفاخر به، ثم إن المنتج الآخر هو المواطنون، وهذا فإن سوء تعليمه وتربيته أو عدم التزامه بمنظومة القيم الوطنية، واحترامه للأنظمة والتشريعات والقوانين والأخلاق النبيلة هو من مسؤولياتنا، ويعكس سياساتنا وتوجهاتنا، وكيفية تربيتنا لأولادنا وبناتنا.

 أما قضايا التحديث والتطوير فهي من صلب ديننا، وليست مرتبطة لا بالتيارات ولا بأتباعها ولا بالغرب ولا بالشرق، مطلوب من أمتنا وشعوبنا أن تأخذ بأسباب القوة والمنعة حتى لو طلبت العلم في الصين، نعم التعليم مرتبط بالمرجعيات، وأعتقد أن مجتمعنا والعقلاء فيه ليس همهم الأعلى الحديث عن قيادة السيارة ولا الاختلاط المقنن والمنظم ولا الأغاني والمسرحيات والسينما التي يجب أن تكون وفق ضوابط وقوانين وعقوبات لمن يتجاوز المباح فيها، إنما الغايات السامية مجتمع له قيم وأخلاق ومؤسسات يفتخر بها، وقوانين تضبط سلوك وممارسات المجتمع والأفراد حتى لا ينزلق الجميع إلى مثل هذه الصراعات، وتتمثل تلك الضوابط في مؤسسات وطنية يعمل فيها أبناء الوطن بكل أمانة وإخلاص وانتماء وولاء، وهم يعرفون دورهم الحضاري بحكم المسؤولية الدينية التي تمثلها المملكة في ظل وجود الحرمين الشريفين، وللأسف لم نجد إلى الآن سوى الصراعات من أجل النفوذ أو المطالبة بالتغيير في موضوعات لأهداف استفزازية وليست جوهرية تمس نهضة المجتمع وتطوره وتمسكه بمنظومة القيم التي يجب أن تكون معززة بالقوانين والتشريعات التي تتيح التطور، وتحافظ على القيم والثوابت والمرجعيات التي هي أساس الهوية، ومن لديه بعض الاحتياجات التي لا يسمح بها مجتمعنا فعليه الذهاب إلى خارج الوطن، حيث تكون تلك الاحتياجات متوفرة ولها أنظمتها وقوانينها، ونحن لا نوافق على تلك التي تتعارض مع الدين والأحكام الشرعية وهويتنا الإسلامية وقيمنا الاجتماعية التي سعى ويسعى البعض من بيننا ومن حولنا ومن أبعد من ذلك إلى تجريدنا منها في غفلة وسطوة بعض أبنائنا وبناتنا.

أتمنى أن يخرج العقلاء، وأن تخفت أصوات المتصارعين التي توسع الفجوة بين المواطنين، وتؤجج الخلاف في موضوعات هامشية لا تخدم المصالح الوطنية لا محليا ولا دوليا، مع أن من يثير العامة من الناس ويستفزهم ويشككهم في ثوابتهم يجب أن يخضع للمتابعة والمراقبة لمعرفة أسباب هذا الخروج على المصلحة الوطنية وثوابت المجتمع التي نعتز بها. نعم أعترف بأن لدينا خللا في منظومة القيم، وخاصة أخلاق التعامل والعمل، حيث تحتاج مؤسساتنا إلى ضبط سلوك الأفراد والمجتمع من خلال التعليم والإعلام والأسرة وجميع مؤسساتنا الوطنية، وأن تنشأ مؤسسات رقابة على المؤسسات من أبناء المجتمع المتطوعين لتقديم مشاهداتهم ومراقبتهم على تنفيذ الأنظمة والقوانين أو مخالفتها، نعم في محاكم الغرب يوجد مواطنون يراقبون القضاء لأنهم هم من يستفيد من القضاء، وهم من يتعرض للعقوبات، فإذا لم تنفذ أو تطبق أو تنظر القوانين والتشريعات بموضوعية فإن الهوى واستغلال السلطة والعبث هو نتيجة حتمية للفساد الإداري وغيره من أنواع الفساد، نعم التعليم النوعي مطلوب، والتركيز على ثوابتنا الدينية والثقافية قبل الكيمياء والفيزياء والرياضيات، لأن هذه العلوم سهلة الاكتساب ومشتركة بين جميع شعوب العالم، ولكن الأخلاق والسلوك والانضباط واحترام الأنظمة شيء آخر. وأذكر بأن تمكين أفراد المجتمع وإتقانهم اللغة الوطنية الموحدة والجامعة أساس النجاح في العلوم وفي الإدارة وفي التواصل بين المواطنين والمؤسسات الوطنية المعنية بقضايا الناس واحتياجاتهم المختلفة.

ولهذا وجب أن تتكاتف الجهود معا للنهوض بالتعليم انطلاقا من الأسرة حتى الجامعة مع شراكة الإعلام خاصة ومؤسسات الدولة الرديفة في تعزيز جهود الأسرة والمدرسة وحتى مؤسسات شوارعنا التي نمشي فيها حتى نجعل من منتجنا الوطني وهو المواطن مثالا نعتز به في أخلاقه وقيمه وإنتاجيته واحترامه للأنظمة والقوانين واعتزازه بهويته وقدرته على التمييز بين المفيد وغير النافع، وأن نتذكر أن منتجنا الأهم هو ديننا فلا تضيعوه فتضيعوا، ولكن يجب أن يكون عملنا عملا مؤسسيا يحبب الناس في ديننا، ويقربهم من الله وفق أنظمة ناضجة تصلح ولا تفسد، تطور وتحسن، وتعدل بما يجعل من ديننا مصدر فخر لنا كما عهدناه، وإعجاب لغيرنا كما يعرفونه. قال تعالى (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها)، وقال تعالى (ولا تعثوا في الأرض مفسدين)، وكل عام وتعليمنا ومجتمعنا وإعلامنا وأوطاننا بألف خير.