عادت الموسيقى للظهور في فضائنا العام بعد عقود من وأدها ومحاربتها. هذه العودة قوبلت باستهجان وامتعاض البعض، جزء كبير منهم لا يرغب في وجود الموسيقى لأسباب دينية - وأنا أحترم ذلك- حتى لو قيل إن المسألة خلافية.

ولكن هذا حقهم وليس لنا إلا احترامه. ولكن الحديث هنا عن الشريحة «المستذكية» وهم دائماً يرددون عبارات وشعارات مكررة، قد توحي للوهلة الأولى بأنها منطقية ومقنعة كقولهم «لو كانت الموسيقى تقود للتقدم لما وجدنا مصر في ذيل القائمة»، أو قولهم «لو كانت الموسيقى مقياساً للحضارة لتغلبت لبنان على أوروبا»، وفي الحقيقة مثل هذه العبارات تنم عن جهل مردديها لسببين، أولا: هم لا يعرفون إلى أي مدى تطورت الموسيقى في العالم المتقدم. وثانيا: سذاجة الربط المباشر بين الموسيقى والحضارة.

ففي البلدان المتقدمة يحاولون تطوير كل العلوم سواء الطبيعية أو الاجتماعية، والموسيقى كعلم تندرج تحت القسم الأول، بالإضافة إلى علاقتها المباشرة بالرياضيات. كل ذلك لا يهم بقدر أهمية الموسيقى عند الشعوب. فلا نستطيع محاربة كرة القدم مثلاً بحجة أنها لا تصنع حضارة، وأن دولة مثل البرازيل ليست متقدمة رغم تفوقها في كرة القدم! ألا يكفي أن الناس يستمتعون بها وينتظرون المناسبات الكروية العالمية على أحر من الجمر؟

من المفارقات الغريبة في مجتمعنا أننا «كسعوديين» نُعتبر أكبر سوق مُستهدف لكل الفنانين الخليجيين والعرب بعد مصر. فنجاح أي فنان في السوق السعودي يعني نجاحا مطلقا. رغم كل المحاولات العبثية لشيطنة الموسيقى. وهذا يقودنا إلى حقيقة واحدة تقول: إن الصوت الأعلى لا يمثل الواقع، فبعد كل هذه الحرب الضروس على الموسيقى، ولمدة عقود من الزمن إلا أننا كشعب نحب الموسيقى ونتذوقها ونستمتع بها. هذه الحقيقة قد تزعج البعض وتؤلمهم.