كانت المرة الأولى التي أرى فيها بشكل مباشر، أمام عيني، حقيقة الإهانة والإذلال وكسر الكرامة الذي تواجهه المرأة، في حادثة وقعت بأبها.

بأيام الجامعة، منذ ربع قرن، وفي حديقة «أبوخيال» كنت وصديق قديم جالسين عصرا، والأجواء في أبها بعموم ساحرة، لكنها في ذلك الجزء من حزام أبها الدائري ليست من هذا الكوكب. حدث أنها جاءت عائلة، امرأتان كبيرتان، وفتاة شابة، كانت في نفس عمرنا، أو أكبر بقليل، ومعهم مراهق صغير، وبالطبع فقد بدا واضحا أنه محرم العائلة، وهذا من العجائب.

جاورونا على بعد مسافة، وبينما البنت الشابة تنحني لتفرش البساط وقع غطاء وجهها، التقطته بلمح البصر، لكنها وقبل أن تدّس وجهها تحته مجددا، كان أخوها قد رفسها في منتصف ظهرها بكل قوته، وأمام من في الحديقة قاطبة. صاحت البنت صيحة المغدور، وسقطت تتلوى وتبكي. وأنا وجميع من رأى وسمع تلك الصيحة مبهوتون. الأم انكبت على بنتها، ولم يكن لها من حيلة غير الدعاء المقهور.

ويا للأسف فقد عرفت لاحقا أن هذه الحادثة ليست سوى كسرة من الجحيم المختبئ خلف الأبواب والجدران! الحديث عن النساء، وخطفة عين على شيء مما مررن به، في عالمهن المخفي والصامت.. هذا كي لا ننسى والسعوديات المجيدات في احتفاليتهن العالية، وهنّ للتو تلتقط أيديهن طرف العربة، عربة العصر الحديث.

أتذكر تربيتنا المنزلية، فمع أنني خرجت من بيت صارم وشديد المحافظة، ثم تلقف -ككل البيوت- تديّن الصحوة،

إلا أن أكبر شناعة كانت عند والدي، وهو الذي خُلق من صلابة القرى والعوز والحجارة، هي أن يضرب أحدنا الآخر، نحن الإخوة، أما من يضرب إحدى البنات فقد جاء بإحدى نوائب الدهر، وليس لها عند أبي غفران ولا رحمة. أخواتي أربع، أصغرهن الآن في الخامسة والثلاثين، ولم يحدث أن لُمست إحداهن بطرف إصبع، ولو مزحا.

مشهد الفتاة وصيحتها ذاك اليوم استقر في ذهني كذبحة صدرية، في قلب والدي، وبعد هذه السنين والفهم والقراءة والتجربة واكتشاف الخديعة، أفكر بغبن كامل؛ من أين ظهرت هذه المخلوقات، وكيف وصلت إلينا وزورت علاقاتنا وبيوتنا وبلدنا، من فكّ حبالها وأطلقها علينا!

كبر الداء، وتفاقم الوحش، حتى عمّ كثيرا من البلاد والعباد، تذكرون الذي تربص بأخته عند مقر عملها، وقد هربت منه لدار الرعاية، ليرديها قتيلة بطلق ناري! تذكرون من حاولوا إنقاذ بناتهم من حريق المدارس، وتذكرون من وقف عند الباب يمنعهم! تذكرون حادثة المراهقين اللذين استدرجا أمهما للمستودع، ثم تعاقبا على طعنها بالسكاكين! تذكرون ألف ألف قصة لا يطيقها ضمير به، رائحة حياء!

يفكر المرء أحيانا أن الواقع بحاجة لمهمة إنقاذ، تشبه المعجزة، لذا فمن حق الناس أن يفرحوا، ويرقصوا بكل ما

في وسعهم تحت أشجار الأمل، وكل الذين يزايدون عليهم، ويقللون من شأن القرارات التي حدثت الأسابيع الماضية، فهؤلاء عديمو الروح والشهامة!

أخيرا، ما مشكلة المزايدين مع كلمة شكرا؟ نعم ألف شكر لكل خطة وهدف ينحاز للناس، أما من «يولول» ويعارض ويؤلب الناس، ومن يضايق النساء في الطرقات، اسمع جيدا: كان هذا سيحدث، طال الزمن أو قصر،  تعلّم الدرس، ولا تقف بوجه حق مستحق، كي لا تكون بهذا الموقف المخزي، وكي لا تدهسك دواليب التاريخ.