استبشار المسلمين في العالم بإنشاء (مَجمع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود للحديث النبوي الشريف) كان كبيرا، ولا أبالغ إن قلت إنه حلم حققه الله تعالى على يد عبده الغيور على سيرة ومسيرة خير خلقه، صلى الله عليه وسلم؛ خادمِ الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ زاده الله توفيقا ـ..

المَجمع، وكما نص الأمر الملكي الكريم، معني «بخدمة الحديث النبوي الشريف، وعلومه جمعاً وتصنيفاً وتحقيقاً ودراسة»؛ وهذه الديباجة ليست من باب الاستهلاك، أو من باب القول الخالي من العلم، بل إنها فتحت بابا عريضا من التخيلات التي ينتظر تحقيقها على أرض الواقع المهتمون بالمصدر الثاني للتشريع..

أمهات كتب الحديث موجودة بين أيدينا، وبسهولة يمكن أن نطالعها ـ موطأ مالك، صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن النسائي، سنن أبي داود، سنن الترمذي، سنن ابن ماجة ـ، ولكن أبرز المعضلات التي يمكن أن تتمثل للمطالع فيها، هي القدرة على التجديد والإبداع في توصيل فقهها للناس، وهذه لا يتقنها إلا الذين يسعون إلى التمكين لدين الله..

لا شك أن تنقية تراثنا مما علق به من الشوائب، وتمحيصه من أي غث أمر نحتاج إليه، وفي ذات الوقت لا بد أن أذكر أن دارس الحديث، لا يعيبه أن يذكر أن بعض علماء الحديث قد وضعوا شروطاً لصحة النصوص ولم يلتزموا بها، وليست نهاية العالم ذكر أن بعض كتبنا الحديثية فيها من الرواة من غلب جرحُه على تعديله، وأن بعضهم قد ركز على المتن ولم يركز على السند، وأن بعضهم كانت لديه إسقاطات نفسية معينة، وربما لعبت خلفياتهم الثقافية والفكرية والعقدية دورها في التصنيف، ومع هذا كله لا بد أن أؤكد على خطورة التقليل من شأن ميراث السلف،

أو عدم المبالاة بهم، أو مقابلة صنيعهم بالانتقاد دون الارتكاز على منهج علمي رصين؛ فأولئك الجهابذةُ صاغوا لنا منهجا فريدا في تاريخ البشرية، ومعارضتهم لا يمكن أن تكون في متناول من هب ودب، وأرعد وأزبد، من الذين يفتقد طرحهم إلى الإحاطة الدقيقة بعلل الأحاديث، ولا يقدرون على فقهها، وتنزيلها على أرض الواقع، ورحم الله الإمام ابن المديني القائل: «التفقه في معاني الحديث نصف العلم..».