قالت لي إحداهن يوما: «عندما يتخلى الجميع عنك، فإنه من الصعب عدم التخلي عن نفسك»! هذا هو اليأس بعينه، بل هو الاستسلام! من قال إن الحياة سهلة؟! نعم هي رحلة، ولكنها مليئة بالعقبات والتحديات، قصص كفاح ونجاح وفشل، نقرأ عنها ونشاهدها كل يوم، ولكنها ليست ببعيدة عنا لأننا أيضا فيها؛ جزء من هذه الإنسانية المنتشرة على وجه الأرض التي خلقها الله سبحانه لنا، هل الكفاح هو خارج نطاق حياتنا؟ هل المصاعب والآلام سراب، أو الأفراح والأوقات الجميلة خيال؟ ألا نمر بها جميعا؟ لكن الفرق هو أن هنالك من يتخذها دروسا للوصول إلى الهدف، وهنالك من يستسلم لليأس والفشل! هنالك من يعيش من أجل الحق والخير ومن أجل ما يؤمن به من أحلام ورؤى، وهنالك من يعيش على رضا وتقبل الآخرين، يستمد قوته من رضاهم وتقبلهم، لكن سرعان ما يتحطم عند أول اصطدام بحاجز الرفض! القوة تكمن في اتخاذ قرار حاسم؛ أن تتحمل مسؤولية نموك وتطورك وقراراتك ولا تصغي إلاّ لذاك الصوت الداخلي الذي يحثك على المثابرة حتى تصل.

إن العقبات والتحديات ليست سوى جرس إنذار لكي نستيقظ ونتحرك، قد لا ندرك ذلك في حينه، لأننا مشغولون بالحسرة أو الندم أو الغضب؛ تتعدد المشاعر لكن يبقى الحاجز واحدا، يمنعنا من التوقف للتبصر وأخذ العبر، المفتاح يكمن في كيفية التفاعل، لأن ذلك سوف يؤثر على ما تبقى من مسيرة حياتنا، دائما توجد خيارات أو على الأقل يوجد خياران، التوقف أمام الفشل والتحدي، ومن ثم التراجع أو التفكير بأفضل الطرق للخروج من الوضع بأقل الخسائر، بل باستخدام تلك الخبرات كدافع إلى الاستمرار، وألا نتوقف حتى بعد أن نصل إلى الهدف، لأن بعد كل هدف يوجد هدف جديد، ولو ارتضينا أول إنجاز لكنّا قد حكمنا على أنفسنا بالتراجع، بل ربما العودة إلى المربع الأول.

كم قرأنا وكم سمعنا أن الحياة تعلمنا قلة من يفرح لفرحك، وقلة من يبكي لألمك، وأن الزمن لا يتوقف عند الحزن، ولا يسرع عند الفرح، لا من أجلنا ولا من أجل غيرنا، وإن مر هذا الوقت فلن نستعيده أو حتى نستطيع أن نعود إلى الماضي حتى نغير أو نصحح قرارا أو طريقا، فلماذا إذًا نسمح للسلبيات بأن تفوت علينا كل ما هو جميل قد يكون أمام أعيننا أو تحت أيدينا، ولماذا لا نركز على الدروس التي تعلمناها والخبرات التي اكتسبناها، ومن ثم نمضي قدما بإصرار وعزيمة، لنصبح أشد وأقوى؟!

الدرس هنا في ألا نقلل من أهمية أي شخص يمر بحياتنا، قد يتقاطع طريقه مع طريقنا لفترة قصيرة، لكن من يعلم مدى تأثيره، فقد يغير في داخلنا الكثير، تأثير قد يبقى مدى الحياة، بينما قد نجد أن من يرافقنا لفترات طويلة لا يترك أكثر من ندبة بالكاد نراها أو نشعر بها، أو يؤثر إلى درجة كبيرة، فالتأثير مرتبط بنوعية الشخصية، بضعفها وقوتها، بخيرها أو شرها، وهذا ليس من فراغ، فلكل من يمر في حياتنا سبب لا يعلمه سوى رب العالمين، قد ندركه في حينها، وقد ندركه بعد وقت طويل، المهم هنا أن ندرك أن شخصا واحدا قد يغير حياتك ويدخل القلب ليبقى، وآخر يدخل كتحدّ أو عقبة، إنها نعمة في كلتا الحالتين؛ من بيده البلسم، ومن بيده العلقم، فنحن لا نتعلم منهم عن الحياة فقط، بل عن ذاتنا أيضا، فبمرورهم تشكلنا، وأصبح ما نحن عليه، تكونت الشخصية ونمت من خلال خبرات، بعضها فجر الغضب والألم، وبعضها أدخلنا عالما من الدهشة والجمال، بل منهم من يجعل الفرد ينظر إلى الداخل ليفاجأ بأن من يراه ليس من كان يعتقد أنه يعرفه، وينظر إلى الحياة ليجد أنه لا يوجد مستحيل، وإن شاء يصبح قادرا، هذا هو تأثير بعض البشر في حياتنا، كنز من الخبرات تقدم على شكل المشورة والرؤى أو حتى العقبات، لكن حينما نأخذ زمام الأمور بأيدينا ونكون نحن من يقرر ونحن من يتحمل مسؤولية كل خطوة نتخذها، نصبح المالك الحقيقي لحياتنا، ونبدأ بتشكيلها، والعمل على نمو المهارات والقدرات، فالتعلم يبدأ من داخل الفرد، نعم سوف تكون هنالك تحديات، لكنها تصقل من يقرر المواجهة، فالبحر الهادئ لا يعلّم البَحار، والعواصف تُخرج أفضلَ ما في داخل الفرد.

في النهاية يجب ألّا نتحرك إرضاءً لأحد، أو حتى لأننا قادرون على التحرك، بل يجب أن نتحرك لأننا لسنا قادرين على التجمد وفي داخلنا إمكانات كلما اكتشفنا جزءًا منها أخذتنا إلى المسطح الذي بعده؛ هذا ما يجب أن نؤمن به، وهذا ما يجب أن نُفّعله في كل لحظة من حياتنا، أما من لا يتقبلنا فهذه مشكلته وليست مشكلتنا، ومن لأي سبب يشكك في قدراتنا أو في ثقتنا بذاتنا، لنبتسم ونرد بكلمتين: «انتظر وراقب»، ثم لنتوكل على الله، وننطلق!