لعل التداعيات المهمة للحدث الكردي الكبير، المتمثل في استفتاء 25 سبتمبر، حول الاستقلال والانفصال عن العراق، لم تتجسد فقط في ردود الفعل المحلية العراقية والإقليمية والدولية، بل في حالة الحراك الداخلي لأكراد إقليم كردستان العراق أنفسهم، والتي وضعت علامة استفهام حول حقيقة نتائج الاستفتاء الذي نظم في المحافظات الخمس «أربيل، السليمانية، دهوك، كركوك، حلبجة»، إضافة إلى المناطق الكردستانية الواقعة خارج إدارة إقليم كردستان، وأعلن أن نتائجه كانت على النحو التالي: نسبة 92.73% صوتوا بـ»نعم» للاستفتاء على استقلال كردستان فيما صوت 7.27% بـ»لا».

ولقد أوضح الحجم الكبير للخلافات داخل الجبهة الكردية الداخلية، أن «لا» الصغيرة افتراضية وغير واقعية، في ظل وجود تساؤلات كثيرة حول طبيعة الخلافات وانعكاساتها على مستقبل قضية أكراد العراق.

ويشير حجم الاتهامات الكردية-الكردية المتبادلة، إلى جوهر أزمة أكراد العراق، إذ يُتهم حزب طالباني «الحزب الوطني الكردستاني»، بسحب قوات البيشمركة التابعة له من كركوك التي يصفها الأكراد بـ»قدس كردستان»، وإصدار الأوامر بتسليمها للقوات العراقية.

ونددت قيادة البيشمركة في أربيل ببعض مسؤولي الاتحاد الوطني الكردستاني، متهمة إياهم بأنهم «خانوا وساعدوا في المؤامرة» على الأكراد.

ويزيد هذا الاتهام العلني من الفجوة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، وسط حديث عن رغبة الاتحاد الوطني في التخلي عن اتفاق سنة 2000 بشأن توحيد الإدارتين المدنيتين في السليمانية وأربيل، والعودة إلى صيغة الإدارتين المنفصلتين.

وتقول النائبة من الاتحاد الوطني الكردستاني في البرلمان العراقي، ألا طالباني، إن الاستفتاء «فرض بالقوة» من جانب رئيس رفض الاستماع إلى حلفائه الذين اقترحوا إرجاء الاستفتاء إلى حين إجراء مفاوضات مع بغداد بإشراف الأمم المتحدة، وإلى اقتراحات الوساطة التي عرضها الرئيس العراقي الكردي فؤاد معصوم.

كما تعتقد النائبة الطالباني أن المشكلة الكردية تتمثل في حكم بارزاني، وفي استئثار حزبه بثروات الإقليم، غير أن منطوق التصريح الحقيقي هو أن حلّ «المشكلة الكردية» هو باستلام الاتحاد الكردستاني شؤون الإقليم، واستئثار قادته، من آل الطالباني، بدلا من آل بارزاني، بتلك الثروات.

وقال لاهور شيخ جنكي، المسؤول العام للجهاز الكردي لمكافحة الإرهاب في منطقة السليمانية، معقل الاتحاد الوطني الكردستاني، «فيما كنا نقوم بحماية الشعب الكردي، كان مسعود بارزاني يسرق النفط ويعزز نفوذه. واعتبارا من الآن، لن نضحي بأبنائنا من أجل عرش مسعود بارزاني».

ودعا رئيس برلمان كردستان العراق، يوسف محمد، رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني إلى التنحي عن السلطة، مؤكدا أنه سيقدم خدمة كبيرة لشعب كردستان عند استقالته من منصبه. وقال محمد «إننا جميعا أسرى لنخبة سياسية تعمل للسيطرة على ثروات الوطن، من أجل توسيع سلطتها»، لافتا إلى أن «هذه النخبة السياسية تتاجر بتضحيات الشعب ودماء شهدائه».

وثمة من يعتقد أن زعماء الأكراد أثبتوا، ما خلا بعض الاستثناءات النادرة، أنهم خرقى وسُذّج، وغير ملمين بوسائل العمل في العالم الخارجي، إذ يتم تقرير مصائر الأمم بعيدا عن منطقة الشرق الأوسط وما تحفل به من عقد الاضطهاد. وأنهم ميكيافيليون بمعنى ما، ويدخلون أبناء جلدتهم في متاهات الضياع والتشرد، وحالات شقاق داخلي تجعلهم أعداء لأنفسهم، ومصدرا ذاتيا لحسراتهم المستمرة التي يرعاها خصومهم.

وهناك ضرورة لاستلهام دروس وعبر التاريخ الكردي المعاصر، فقبل 71 عاما، وتحديدا في 22 يناير 1946، أعلن عن قيام جمهورية كردستان في ساحة بمدينة مهاباد -غرب إيران- برئاسة القاضي محمد، والتي لم تدم سوى 330 يوما.

ومن العوامل الداخلية والخارجية التي ساعدت على انهيار جمهورية مهاباد، لكن السبب الداخلي هو السبب الرئيسي، حسبما يذكر عبدالرحمن قاسملو، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، الذي اُغتيل في فيينا في 13 يوليو 1989، عندما كان يفاوض المسؤولين الإيرانيين من أجل الحكم الذاتي في إيران، أن هناك عدة أسباب داخلية منها: الجهل العام للشعب الكردي، إذ يسود الجهل والأمية بنسبة 90%. واعتماد القاضي محمد بتشكيل حكومته على الإقطاعيين والأغوات الكبار، وهؤلاء معظمهم معادن للجمهورية، ولم يتم تحرير كردستان بصورة كاملة، بل حررت ثلث الأراضي الكردستانية فقط.

ومما لا بد من ذكره، أن الباحث الأرمني هو أبوفيان قال: «نستطيع أن نطلق على الكرد لقب «فرسان الشرق» بكل ما في الكلمة من معنى، فيما لو عاشوا حياة أكثر تحضرا، ذلك أن الصفات المشتركة لهذا الشعب تتلخص في استعدادهم الدائم للقتال واستقامتهم وأدبهم، وإخلاصهم المطلق لأمرائهم، والتزامهم الدقيق بكلامهم وحسن ضيافتهم، والثأر للدم المهدور والعداوة القبلية، والصبر على السلب وقطع الطريق، واحترامهم غير المحدود للنساء».

وأيضا، تأكيد إحدى القصائد الكردية القديمة أن قدر الكردي أن «يحمل ألف حسرة، ويذرف ألف دمعة، ويطلق ألف ثورة، ويشعل ألف أمل».

ويسعى غلاة المتطرفين والمغامرين الكرد إلى دفع عموم الكرد المعتدلين نحو أتون حروب ومعارك خاسرة، ووضعهم في منزلة «الجحاش» وهو الاسم الذي أطلقه «البيشمركة» على الأكراد الذين انضموا إلى وحدات شبه عسكرية تابعة للجيش العراقي الصدامي، وقاتلوا أشقاءهم الأكراد فيما سمي عمليات «الأنفال».