أعتقد أنه أمام هيئة الرياضة مهمة ليست سهلة فيما يتعلق بالحملات الإعلامية لتشجيع رياضة المرأة، وهذه قضية فيها نوع من التحدي لأن رياضة المرأة حول العالم عموما تتطلب مزيدا من تصحيح المفاهيم المغلوطة، والتشجيع، ولكن الأمر يزداد تعقيدا حينما تتداخل معها خيوط التقاليد والموروث كما هو الحال في العالم العربي، والسعودية على وجه الخصوص. يتوقع من هيئة الرياضة تكثيف حملاتها الإعلامية فيما يتعلق بالمرأة، والسعي لإعطاء الرياضة النسائية طابعا جاذبا، وجعل ممارستها نشاطا مقبولا اجتماعيا مع الأخذ بعين الاعتبار كافة مشارب المجتمع على كافة الأصعدة بما فيها التباين المناطقي، والعمري. والفائدة من ذلك بلا شك ستعود بالنفع على السعوديات، وعلى الدولة أيضا التي تستفيد من هذا النوع من الحملات عبر مرحلتين: المرحلة الأولى/‏ الحد من الأمراض المنتشرة كالسمنة والسكري بالرياضة. وثانيا/‏ في حال نجاح الحملة، التعاقد مع المعلنين والشركات ذات الصلة، وبالتالي تحقيق الربح.

إحدى الحملات العالمية الناجحة في هذا الجانب هي الحملة البريطانية الشهيرة «This Girl Can»، أو «هذه الفتاة قادرة». بدأت الحملة من لدن «هيئة الرياضة البريطانية» التي قضت بدورها 9 أشهر تتباحث حول عزوف وعدم تفضيل الفتيات البريطانيات لدروس الرياضة. كانت نتيجة هذه المباحثات، كتابا يتكون من 600 صفحة حول رياضة المرأة في بريطانيا، ووجدوا أن سبب عزوف الفتيات عن الرياضة غالبا هو اهتمامهن بمظهرهن الخارجي، وكونهن يشعرن أن أشكالهن أثناء ممارسات التمارين الرياضية غير جميلة، إضافة إلى انشغال الأمهات بالأطفال والتربية، فكان الهدف من الحملة معالجة هاتين الإشكاليتين تحديداً، إلى جانب إشكاليات جانبية أخرى.

وكانت خطة الحملة بالتالي نشر فيديو مدته دقيقتان يشجع على رياضة المرأة مع الأخذ بعين الاعتبار: 1. عدم تزييف جسد المرأة أي تمثيل طبيعي لجسد المرأة. 2. اختيار ممثلات من أحياء بسيطة وأماكن عادية. 3. تضمين الأمهات، وكبيرات السن في فيديو الحملة. 4. تضمين ذوات الاحتياجات الخاصة. 5. تضمين ذوات البشرة السوداء. 6. تضمين السمينات. 7. تضمين الأقليات العرقية والدينية.

ورغم ميزانية الحملة المعقولة (عشرة ملايين جنيه إسترليني، حوالي خمسين مليون ريال سعودي) إلا أنها حققت نجاحا واسعا، ملايين المشاهدات، وقرابة مليوني امرأة بريطانية انتظمن في رياضة محددة منذ تنفيذ الحملة، وتقليص الفارق بين الذكور والإناث في ممارسة الرياضة في بريطانيا، أضف إلى ذلك الأرباح التي فاقت بكثير تكلفة الحملة. كل ذلك دعا العديد من الجهات الحكومية والتجارية إلى التعاقد مع الهيئة ودعم الحملة، وشراء الشعار لترويج بعض السلع الرياضية النسائية من خلاله.

هذا النموذج الناجح لحملة ساعية إلى استقطاب مزيد من النساء لممارسة الرياضة يفترض أن يلهمنا، ويلهم أصحاب القرار لدينا للعمل ونشر التوعية بالرياضة النسائية، لاسيما بالتزامن مع رؤية 2030، ولا حرج من الاستعانة بخطط واستراتيجيات نفذتها شركات علاقات عامة أو هيئات أجنبية، ومن ثم ترك تنفيذها على السعوديات المؤهلات والعارفات بمشكلات بنات جنسهن أكثر من الأجنبيات، وأيضا أكثر من الرجل.