مايكل سبينس*
خلال المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، والذي خُتمت أعماله مؤخرا، تم التركيز بشكل أكبر على من سيشغل المناصب الرئيسية في إدارة الرئيس شي جين بينج للسنوات الخمس القادمة. ولكن مسار الصين مستقبلا يعتمد بشكل حاسم على مجموعة أخرى من القادة الذين تلقوا اهتماما أقل بكثير: التكنوقراط الذين سينفذون مهام محددة مرتبطة بالإصلاح الاقتصادي والتحول في الصين.
على مدى العقود الأربعة الماضية، قام التكنوقراط في الصين -بشكل جماعي- بإعداد تحول خارق. وسيتنحى الجيل الحالي، وهو عبارة عن مجموعة موهوبة من صانعي السياسات، في مارس 2018، وسيمررون المهمة إلى جيل جديد.
وهذا الجيل -المتعلم تعليما عاليا، وذو خبرة، والناجح في معظم الأحيان، نتيجة مزاياه الخاصة- مستعد لحمل التقدم الاقتصادي والاجتماعي في الصين إلى الأمام بمهارة وتفان كبيرين. والسؤال هو: هل لديه مجال مفتوح للعمل؟.
ومن المؤكد، أن الجيل القادم من التكنوقراط سيواجه ظروفا مختلفة جدا عن تلك التي واجهت أسلافه. فقد بلغت الصين مرحلة من الغموض. إضافة إلى الأسئلة الكامنة في عملية تحول الأجيال، فقد حدث تحول جذري في إطار السياسة العامة المهيمنة في الصين تحت قيادة شي.
وتحت قيادة دنج شياو بينج -الزعيم الذي بدأ «الإصلاح والانفتاح» المتطرفين في الصين عام 1978، كان الهدف الوحيد هو التحول الاقتصادي المحلي، والنمو الذي يتعين تحقيقه بنموذج تعاوني لصنع القرار، والذي يتضمن نقاشا داخليا قويا.
وقد استبعد دنج بشكل واضح برنامجا دوليا أوسع للصين، وهو أمر يتبعه صناع السياسة في الصين منذ أكثر من ثلاثة عقود.
منذ توليه السلطة عام 2012، غيّر شي إطار السياسة بعدة طرق رئيسية. مثلا، حارب الفساد المستوطن الذي كان يقوض مصداقية الحزب الشيوعي الصيني «ثم نموذج الحكم الصيني»، من خلال إطلاق حملة غير مسبوقة لمكافحة الكسب غير المشروع، والتي بلغت أعلى مستويات قيادة الحزب.
ويعتقد شي أن شرعية الحكومة هي وظيفة القيم التي يتم تسليمها باستمرار، جنبا إلى جنب مع التقدم الاقتصادي والاجتماعي، والالتزام الصارم بالمصلحة العامة التي لها الأسبقية على شكل الحكم. وفي حين اعترف عدد قليل من المراقبين الغربيين بهذا المنظور، فإن التطورات في الغرب خلال السنوات العشر الأخيرة -الأزمة المالية لعام 2008، واتساع الدخل وعدم المساواة في الثروة، وتكثيف الاستقطاب السياسي- قد عززت هذه الفكرة.
ونتيجة لذلك، فإن القادة الصينيين والمواطنين هم أكثر اقتناعا من أي وقت مضى، بأن الحكومة من طرف حزب واحد قوي، تعد دعامة أساسية للاستقرار والنمو. كما يعتقدون أن التركيز في الغرب على شكل الحكم، بدلا من النتائج الاقتصادية والاجتماعية الشاملة هو أمر مضلل، لأن كلا من النظم الديمقراطية والاستبدادية يمكن أن تكون فاسدة.
وعلاوة على ذلك، اتسع جدول الأعمال الاقتصادي للصين في ظل شي خارج نطاق تركيزه الضيق على النمو والتنمية المحلية، ليشمل جهودا متضافرة لتوسيع النفوذ الصيني في الاقتصاد العالمي، خصوصا في العالم النامي.
إن هذه السياسة الخارجية الواسعة والمنتشرة، تولد طلبات كبيرة بشأن الموارد، لا يمكن أن تكون المستثمر الخارجي المهيمن في إفريقيا وآسيا الوسطى، دون إنفاق كثير من المال، مع التأثير على خيارات السياسات.
فعلى سبيل المثال، ربما تستجيب المؤسسات المملوكة للدولة، بما فيها الأبناك، بسهولة أكثر من المؤسسات الخاصة إلى مزيج متغير من الحوافز العامة والخاصة وعائدات الاستثمار.
وفي الوقت نفسه، تسعى الحكومة إلى إعطاء الأسواق دورا أكثر حسما في الاقتصاد، وإطلاق العنان لقوة المشاريع الصغيرة والابتكار، والاستجابة بشكل أكثر فعالية لاحتياجات ورغبات الشباب، والتعليم، والطبقة الوسطى السريعة النمو. ولسبب وجيه: هذه هي المحركات الداخلية التي مكّنت الصين من تحقيق نمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي يراوح بين 6 و7% وسط تحول هيكلي صعب، ومرحلة انتقالية ذات دخل متوسط، تم تحقيقه في اقتصاد عالمي ضعيف نسبيا.
وعلاوة على ذلك، لا بد من مناقشة فعالة في كل من أوساط صنع السياسات والأوساط الأكاديمية للتمييز بين الأفكار الجيدة والأفكار السيئة. ومع ذلك، فقد أثبت النظام الصيني قدرته على إجراء مناقشات رفيعة المستوى في مجال السياسات الداخلية بين المشاركين المدربين تدريبا عاليا، وذوي الخبرة الذين لا يشك أحد في ولائهم، ثم يتصرفون بسرعة وحسم. لكن ما يزال قادة الصين يشككون في النقاش العام والتعليقات غير المقيدة.
ولكن كثيرا من الخيارات السياسية المعقدة، على سبيل المثال، بشأن إصلاح القطاع المالي والانفتاح، ستستفيد من الخيارات التي يوفرها قدر أكبر من الانفتاح.
• أستاذ الاقتصاد في كلية شتيرن للأعمال في جامعة نيويورك، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد
(بروجكت سندكيت)