تحويل رمال الصحارى إلى جنان خضراء ذات محاصيل زراعية غنية، صناعة الماء من الهواء أو تحلية مياه البحار المالحة بطرق سهلة وسريعة وغير مكلفة، ويمكن استخدامها بشكل شخصي، أو شق الدول للأنهار لكافة السكان في زمن قياسي وبتكاليف ممكنة، السفر إلى أبعد نقطة في الأرض في دقائق أو حتى في ثوان، صناعة أنواع الطعام عبر الهندسة الجينية مثل اللحم الصناعي والقدرة على رفع مستويات جودة الطعام ليكون طبيعياً، تغيير مصادر الطاقة من النفط إلى استخدام الطاقة من الهواء أو الشمس وتقدم تقنيات استخدام الطاقة لتكون شخصية وسهلة وغير مكلفة، صناعة الجزر في المحيط وبناء مستوطنات بشرية جديدة، التنقل بين ملايين الكواكب وتحولها إلى دول، اكتشاف حياة أو كائنات في الفضاء، تحول الروبوت ليتجسم ويتحرك ويتصرف ويفكر كالإنسان البشري ويعمل في مختلف وظائفه، صناعة إنسان بشري ذي مواصفات ذكاء خارقة في الرياضيات أو الهندسة أو الأعمال الإنسانية الأخرى، التي تتطلب مستويات عالية من الذكاء، القدرة على شراء كافة الاحتياجات اليومية دون الحاجة للخروج من المنزل، القدرة على التعافي من كافة الأمراض، مقاومة الشيخوخة وإطالة العمر إلى مستوى أعلى من المتوسط العالي لنجد الإنسان يعيش بحيوية حتى عمر المائتين أو أكثر، استنساخ الأعضاء والقدرة على زراعة أعضاء بشرية جديدة وسليمة، القدرة على استعادة الكائنات المنقرضة مع تحرير الحمض النووي بهدف إعادة التوازن البيئي للطبيعة، والتي تساعد مثلاً في تقليل الحرائق وخصوبة الأرض وزيادة الموارد الطبيعية.

وصول الإنترنت والمعلومات ووسائل التواصل إلى كل إنسان متواجد على الأرض وزيادة مستويات الذكاء الطبيعي لدى أغلب البشر من خلال انتشار المعلومات.

كل هذه ليست خيالا علميا بل قضايا علمية قطع فيها الإنسان أشواطاً خطيرة أو أمسك بأطراف الخيوط المؤدية إليها. فنحن على أعتاب مستقبل جديد لا نعلم متى سوف نصل إليه تماماً، ولكننا قطعاً نعيش سباقاً عالمياً لهذا الوصول، وسوف نكون أمام مستقبل بشري مختلف تماماً عما نعيشه اليوم، وفي خضم ذلك فلا يمكن لأحد حسم التنبؤ في كيف سيكون ذلك المستقبل على وجه الدقة، وما هو الثمن الذي سوف يدفعه الإنسان مقارنة بالإيجابيات العظيمة التي سوف تتحقق من سهولة الحياة وحل أغلب المشكلات التي واجهتها البشرية طوال تاريخها.

هل يحدث هذا التقدم العلمي للمستقبل البشري حلاً لأغلب المشكلات البشرية؟

نحن ما زلنا عاجزين عن إيجاد حل لمشكلة المال والعمل لأجل الأجر، فهي بدورها إحدى الوسائل التي يمكن من خلالها استعباد البشر بمستويات متفاوتة، وأحد أهم دوافع انتشار الجريمة، ومع ذلك فهي أيضاً إحدى وسائل تحقيق الإنتاج الذي يخدم البشرية.

ما زلنا نواجه أزمة دولية مع تقدم أسلحة الدمار الشامل والسلاح النووي والقادرة على إفناء البشرية لعدة مرات، ولم يمنع التقدم الحضاري من قيادة هذه المنظومة العسكرية عبر بعض القادة المتصفين بالنزق والانفعال والبحث عن الأمجاد الشخصية على حساب الأبرياء، وما زالت مشكلة الحرب معضلة فلسفية في علاقتها بالخير والشر.

ما زال الإنسان كائنا جنسيا، قد يعيش صراعاته وحروبه لأجل الجنس، وما زالت الحاجة إلى الجنس إحدى العوامل لبناء المجتمع وتهديده في نفس الوقت.

رغم كل ما يحدث من تقدم وما يمكن أن نصل إليه، يظل التحدي الأكبر للبشرية هو إعادة صياغة منظومة القيم البشرية من خلال إعادة تشكيل الوعي الإنساني المشترك، وهل يمكننا أن نقوم بذلك أيضاً علمياً؟!

هل نستطيع أن نصل إلى عالم ينزع السلاح ويتخلص من العمل مقابل الأجر، ويجد الموارد التي يحتاجها دون حروب ويقتنع بما يملك ويتخلص من نعرة التفوق والرغبة بإخضاع الآخر وتصدير أيديولوجياته، ويتخلص فيه من الجريمة بكافة أشكالها، ويستطيع أن يحقق احتياجات الجنس دون صراعات وحروب فضلاً عن قدرته في صناعة موارد الماء والغذاء؟!

سيظل القانون التقليدي قائماً وهو البقاء للأفضل، وهو القانون الذي تعامل معه بعض البشر لسحق الضعيف، غير أنه تطور نسبياً في الوعي الاجتماعي العالمي في محاولة الإنسان لبقاء الأفضل والأذكى ليقود الضعيف إلى الأفضل ما أمكن له ذلك، فإرادة فعل الخير التي اتصف بها الكثير من البشر ظلت تتحكم بتشكل عالمنا رغم كل شيء، وقوانين حقوق الإنسان العالمية التي قادها الغرب وانعكست من التجربة الإنسانية التي شارك فيها العرب القدامى جاءت انعكاساً لرغبة الإنسان في إيجاد منظومة قيم أخلاقية جديدة، وذلك رغماً عن الاختلاف النسبي بين الثقافات حول تلك القيم، ورغم ما تسبب به الغرب من مآسي لنفسه والآخرين، إلا أن منظومة القيم العالمية الجديدة أحدثت تغييراً عظيماً أصبحت فيه الدولة تخدم المجتمع وأصبح الضغط الاجتماعي وسيلة لمحاربة الشرور.

ولذلك ولكي نعيش كدولة قادرة على البقاء والاستمرار في هذا العالم فلا بد أن نستمر في الاتجاه إلى أبعد حدود المستقبل من خلال الاندماج في هذه المنظومة العالمية، لأن معطيات المستقبل واضحة وهي تؤدي إلى عالم لن يشارك فيه الإنسان البدائي.