بعد انتصار الثورة الإيرانية وقفز الملالي إلى السلطة وسلب الثورة من الشعب الإيراني، اعتمد النظام الجديد استراتيجيات جديدة تعتمد على البعد الأيديولوجي، على المستويين الداخلي والخارجي.

ركز النظام على غسل الأدمغة وبرمجة العقول لخدمة التوجهات الجديدة، وتم نقل ذلك من التنظير إلى التطبيق من المراحل المبكرة للأجيال الناشئة، عبر المناهج الدراسية وحلقات الوعظ الثورية، وتطورت الأوضاع سريعا لمرحلة الاختبار على واقع الأرض. لقد كانت الحرب العراقية الإيرانية الميدان الأوسع والمجال الأرحب لذلك، ووجد النظام فرصة لقياس مدى فاعلية ذلك.

ولعل من أبرز النماذج على غسل الأدمغة لخدمة النظام الجديد الزج بالأطفال في ميادين المعارك بدلا من بقائهم على مقاعد الدراسة. لقد استعان الخميني بأطفال لم يبلغوا ستة عشر ربيعا في حربه ضد العراق وعلى عدة أصعدة، من ذلك وضعهم كدروع بشرية وصفوف أولية في المعارك بعد منحهم مفاتيح زعموا أنها مفاتيحهم إلى الجنة، لتجنب الخسائر البشرية بين المقاتلين الرئيسيين. أما العمليات الأخطر والأكثر بشاعة ودموية فهي استخدام أولئك الأطفال لتطهير بعض المناطق الحدودية من حقول الألغام، ليفسحوا الطريق أمام الجيش وقوات الحرس الثوري. المؤسف أن النظام في طهران لا يخجل مطلقا من الاعتراف بهذه الحقيقة المرة، وهذه الجريمة في حق براءة الأطفال، بل ظل يبث مقاطع الفيديو على قنواته التلفزيونية وينشر صور الأطفال المجندين في صحفه الرسمية، ليعتبرها بطولات تحققت في حرب الثماني سنوات.

وبعد أن أسس النظام لهذه البدعة الإجرامية تم نقل التجربة إلى حزب الله اللبناني، فتم تدريب الأطفال على حمل السلاح وخوض المعارك التي تخدم النظام الإيراني ومشروعه في المنطقة العربية. ولعل من يتابع مقاطع الفيديو التي يعرضها الحزب الإرهابي في مناسباته المختلفة تؤكد هذه الحقيقة وتوثقها.

لم تنحصر هذه الظاهرة في إيران ولبنان بل تجددت في منطقة جغرافية أخرى مرتبطة بالفكر والأيديولوجيا ذاتها. نتحدث هنا عن ميليشات الحوثي في اليمن، حيث منعت الأطفال من التوجه للمدارس ونقلتهم إلى ميادين الحرب والصراع داخل اليمن، وعلى الحدود مع المملكة العربية السعودية، وتتحدث تقارير الأمم المتحدة في عام 2015 عن تجنيد 1500 طفل في اليمن، ويتحدث الكثير من الناشطين الحقوقيين في اليمن عن أن الرقم حاليا يتجاوز ذلك بكثير.

إن هذه الحقيقة الماثلة توثقها بالصوت والصورة عشرات الحقائق، وتجعل من إنكارها أو تبريرها عملا مستحيلا. فعلى سبيل المثال وثق أحد الأفلام الوثائقية التي بثتها قناة بي بي سي العربية جزءا من ذلك، حيث يتقدم المذيع إلى إحدى العربات العسكرية الضخمة ليقف أمام طفل لا يتجاوز خمسة عشر ربيعا في أحسن الحالات، ليسأله عن سبب جلوسه في هذه العربة وخلف هذه البندقية الآلية الضخمة، لتأتي الإجابة صاعقة: لا أعلم، طلبوا مني ذلك. وهنا يحاول المذيع المتلعثم مساعدته: هل لكي تدافع عن وطنك؟ فتأتي الإجابة تائهة ومترددة: نعم. كذلك يتم استخدام الأطفال داخل الثكنات والمواقع العسكرية لتشويه سمعة قوات التحالف لاستغلال هذا الكرت ضدهم في المحافل الدولية.

من الشواهد الأخرى لاستغلال ميليشيات الحوثي الأطفال في معاركهم الخاسرة، عشرات الأطفال الذين تم أسرهم من قبل القوات التابعة للحكومة الشرعية في اليمن في معارك داخل اليمن، أو أولئك الذين تم أسرهم من قبل القوات السعودية على الحدود السعودية اليمنية، وتم الزج بهم على النمط الإيراني في الحرب مع العراق، إلى الصفوف الأمامية. لقد قامت القوات السعودية بواجبها الإنساني برعاية أولئك الأطفال ومعالجتهم وكسوتهم ثم بعد فترة تم تسليمهم للحكومة الشرعية اليمنية.

إذاً، نحن أمام مشروع أيديولوجي يستغل براءة الطفولة لخدمة مشاريع هدامة معلومة النتائج والمآلات والمصير سلفا، إلا أن من يقف خلفهم ويستغلهم ترغيبا أو ترهيبا لا يخشى عقوبة دنيوية أو أخروية، ناهيك عن تجاهله كافة المعاهدات والمواثيق الدولية التي تجرم مثل هذه الأعمال الشنيعة.

وأمام كل هذه الحقائق تقف الهيئات الدولية والمؤسسات الحقوقية التي تعنى بحماية الطفل وحقوق الإنسان صامتة ومكتوفة الأيدي، بل ولم تدن ذلك حتى من خلال البيانات الإعلامية المستهلكة.

إن استغلال الأطفال في اليمن يحتاج إلى مشروع حقيقي يفضح هذه الممارسات ويكشفها، لا أقول أمام المؤسسات التي ترفع شعارات براقة تدعي حماية الطفل فهذه لم يعد يعول عليها أحد، بل يتم فضح ذلك أمام الرأي العام العالمي لعله يحرك شعرة من الضمير الإنساني ليتم التصدي لذلك ومحاكمة من يقف خلف هذه الممارسات.