رغم كثير من النقد الذي يوجّه إلى الخطاب المتدني لبعض مشاهير الشبكات الاجتماعية، وتحديدا في نقد ظاهرة «الاستهبال»، إلا أنها تكشف بوضوح العقلية السائدة بين عامة الناس، وتصور تطلعاتهم وأحلامهم، بعيدا عن الخطاب المثالي أو النخبوي، وهو ما يتطلب التعامل مع هذه القضية بطريقة مختلفة لا تقوم على قمع ظهورهم، ولكن بالعمل على علاج الأسباب، أو بإعادة توجهيهم إلى المسار الصحيح.

الظاهرة عالمية وتواجهها دول مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا، وهي أقل نسبيا في الدول الإسكندنافية، وذلك لصغر عدد المجتمع نسبيا، إضافة إلى حالة التحضر الاستثنائية التي تتصف بها تلك الدول الثلاث.

وقد انتشرت في عدة دول أوروبية لائحات تحمل عبارة «توقف عن دعم أغبياء الشبكات الاجتماعية»، فهذا الدعم له أسبابه، منها حالة الفضول الطبيعية التي تميز كل الناس، ومنها البحث عن التسلية والإثارة بعيدا، لمتابعين يتصفون في غالبهم بالبساطة ولا تشغلهم قضايا سياسية أو حتى اجتماعية، وأيضا هناك دافع مهم وهو أن هذه الفئة من المشاهير تعبّر عن تطلعات المتابعين في الحياة، فالشخصية التي قدمت أغنية عن «الصامولي» كانت تتحدث بلغة مراهقين مبسطة عن معاناة الشخصية مع طلبات والدته وطبيعة حياته، وبلحن راقص توافقت مع ما يشغل المتابعين ذهنيا وفكريا في حياتهم اليومية. حتى لو كان كل ذلك بذائقة متدنية إلا أنها تعبّر عن طبيعة كل المتابعين الذين كان غالبهم أيضا من المراهقين.

أحد أهم أسباب المتابعة هو الرغبة في التقليد، فالمتابعون يبحثون عما يفعله هذا المشهور، وكيف يتكلم ويلبس وماذا يأكل وأين يذهب، ولذلك نجد حالة تأثر غير عادية لدى ملايين المتابعين لهذه الشخصيات، ونجد مثلا دور الأزياء والجمال أو المطاعم وهي تستضيفهم باعتبارهم نموذجا للتقليد.

وفي الوقت نفسه، يصعب على البعض تقييم ما هو تافه أو غير تافه، فهناك من يصنف عدة كُتاب أو مغردين بأنهم تافهون بسبب بساطة أسلوبهم، أو حتى بسبب استفزازهم بعض المتابعين أو بسبب صغر السن، ولكننا قد نجد بعضهم يتبنى قضايا مفيدة للمجتمع، فأحدهم مثلا يحارب تجارة الوهم أو التجارة بالدين، وآخر يرسخ ويدافع عن الثقافة القانونية، والثالث ينادي بالحرية والانتصار لفئات مضطهدة من المجتمع.

وهناك أيضا من يكبر منهم وينضج أمام الجميع، وهناك التافه جدا والذي لا يملك إلا السب والشتم والإيحاءات الجنسية، ومع ذلك فهذه الحالة تعبّر أيضا عن حالة اجتماعية وهذا لا يمنع أبدا من تدخل مؤسسات الدولة لضبط سلوك بعض مشاهير الشبكات الاجتماعية، كما حدث مع الشاب الصغير «أبو سن»، ولكن يجب أن يكون ذلك حكيما وبهدف تربوي.

لقد انتهت ظاهرة سيادة النخب للرأي العام، وأصبحت المنافسة مفتوحة للجميع وصارت الأدوات مختلفة، فلم يعد الداعية أو المثقف وحده الذي يوجّه ويحاسب الرأي العام، فحتى المطرب أو الرياضي أصبح يعبّر عن توجهاته الاجتماعية والسياسية، أيّا كان مستوى نضجه أو وعيه، وكل سلبيات هذا الخطاب الجديد يفرض علينا أن نستمر في استخدام الطريقة الأصعب، وهي النقاش العقلاني المستمر حتى الوصول بكثير من الفئات الاجتماعية إلى مراحل نضج أكبر، وهو ما ينعكس بدوره على تقدم مؤسسات الدولة.