بين إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالله البعيجان أن الصبر على الفتن والمحن والابتلاء عاقبته نصر من الله وتمكين لعباده المؤمنين الموحدين، مشيرا إلى ما مرت به الأمة في سابق عهدها من ابتلاء وظلم للصد عن دين الله، حتى تحقق وعد الله بنصر هذا الدين وأوليائه. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس: إن ما تمر به الأمة الإسلامية اليوم من فتن وبلاء، ومحن ولأواء، وتسلط الأعداء، إنما هو امتحان وتمحيص ومقدمة لنصر مبين، وعز وتمكين بإذن الله رب العالمين، فقد قال تعالى: «ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب»، وقال عز وجل «أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب».
الصلابة والثبات
أضاف البعيجان قائلا: لقد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثم يؤتى بالمنشار، فيوضع على رأسه فيجعل على نصفين، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد من دون عظمه ما يصرفه ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر، وقال عز وجل «ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز»، مستشهدا بما كان عليه المسلمون في عصر النبوة من ابتلاء ليتركوا هذا الدين.
وأوضح أن أول من أظهر الإسلام سبعة، رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر الصديق، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد، رضي الله عنهم، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فساموهم سوء العذاب، فما منهم من أحد إلا وقد أتاهم على ما أرادوا، إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، وقام المشركون بإيذائه وتعذيبه لعله يرجع عن دينه، فقابلهم بالصلابة والثبات، فزادوا في تعذيبه وبلائه، فكان سيده أمية بن خلف، يخرجه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره، ثم يقول: لا تزال على ذلك حتى تموت أو تكفر بمحمد، ويقول أي شؤم رمانا بك يا عبد السوق؟ لئن لم تذكر آلهتنا بخير لأجعلنك للعبيد نكالا، فيرد بلال، رضي الله تعالى عنه، وهو ثابت لا يتزعزع: ربي الله، أحد أحد، ولو أعلم كلمة أغيظ لكم منها لقلتها، فلما بلغ الكتاب أجله في تعذيبه أتى الفرج فاشتراه أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، وأعتقه لوجه الله، عز وجل، وفي ذلك نزل قوله تعالى «وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى».
موازين الفضل
أشار البعيجان إلى أن الله يمهل ولا يهمل، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، إذ قال سبحانه «ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين»، فما حل بالمستضعفين في مكة، في بداية الإسلام من المحنة والبلاء، إنما كان لإعداد جيل جديد حديث، وتمكين ونصر حثيث، وتمحيص وتصفية، ليميز الله الخبيث، وما هي إلا فترة ويمنّ الله على المضطهدين والمظلومين الذين استضعفوا في الأرض ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين، ويمكن لهم في الأرض، وإذ بصناديد الشرك والكفر والظلم يقتلون بسلاحهم، وأيدي مواليهم، كبلال وأمية، وابن مسعود وأبي جهل، فيشفون غليلهم ويأخذون بثأرهم، مستشهدا بقوله تعالى: «ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز».
وبين الشيخ البعيجان أن موازين الفضل عند الله بالعمل، وليست بالنسب والمنصب والمال والجاه، فالناس سواسية كأسنان المشط، كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فرق لعربي على عجمي إلا بالتقوى.
وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن الصبر مفتاح الفرج، وأن الجنة حفت بالمكاره، وحفت النار بالشهوات، وسينصر الله دينه، كما نصر المستضعفين في مكة، وكما نصر أولياءه من قبل ومن بعد «ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم * وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون».
القدوة الحسنة
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل غزاوي المسلمين بتقوى الله، عز وجل، والعمل على طاعته واجتناب نواهيه.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس: إن وجود القدوة الحسنة في حياة المسلم ضرورة حتمية، ليقتدى بها وتكتسب منها المعالم الإيجابية، وتكون دافعا حثيثا لتزكية النفس واستنهاض همتها والارتقاء بها في مدارج الكمال.
وأوضح أن من فضل الله على أمة الإسلام أن اختار صفيه ومصطفاه وخيرته من خلقه محمدا، صلى الله عليه وسلم، ليكون خير قدوة لها في امتثال هذا الدين، والالتزام بقيم الإسلام وأخلاقه وأحكامه.
وبين أن من جوانب القدوة في حياة الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، ثباته على الدين حتى أتاه اليقين، مبينا أن الله تعالى ثبت نبيه على دينه وأيده بنصره، وأعزه ومكنه وأعانه في كل أحواله، فكان مثالا يحتذى في التزام الإسلام حتى الممات.
ولفت الشيخ غزاوي الانتباه إلى أن من صور ثبات الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، التمسك بالوحي كما أمره الله بقوله: (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم)، مفيدا بأن النبي صلى الله عليه وسلم التزم هدي ربه وتمسك به على الرغم من محاولة المشركين صرفه عن حكم القرآن وأوامره.
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن الثبات على الدين لا يكون بكثرة الاستماع للمواعظ إنما يكون بفعل هذه المواعظ وامتثالها في واقع الحياة، والثبات معناه الاستمرار في طريق الهداية، والالتزام بمقتضيات هذا الطريق، والمداومة على الخير، والسعي الدائم إلى الاستزادة من الإيمان والتقوى.