يُعرَف علم السلوك على أنه استجابة الكائن الحي للتغيرات البيئية في الوسط الذي يعيش فيه مثل التغير في درجات الحرارة والرطوبة وشدة الضوء ووفرة الغذاء، لذا فسلوك جميع الحيوانات والنباتات والإنسان مرتبط بالتغيرات الفصلية التي تحدث على سطح الكرة الأرضية وفق دورات طبيعية ثابتة، ففي فصل الشتاء على سبيل المثال تهاجر العديد من أنواع الحيوانات خاصة الطيور من المناطق الشمالية الباردة, صوب الجنوب حيث الدفء ووفرة الغذاء، والبعض منها تأقلم على الصمود أمام البرد القارس في شمال الكرة الأرضية مثل الدببة القطبية والذئاب فالدببة القطبية على سبيل المثال تلجأ إلى ما يعرف بالسبات الشتوي ولا تفيق منه إلا مع بداية فصل الربيع، أما الذئاب فيكسو جلدها طبقة من الفرو السميك الذي يحميها من البرد القارس، وموضوع دراسة السلوك الحيواني أقل تعقيدا من دراسة سلوك الإنسان، ولا أريد أن أخوض في هذا الموضوع، ولكن هناك نقطة أحب أن أوضحها، وهي أن عمر الإنسان على سطح الكرة الأرضية إذا ما قُورِن بالحيوانات الأخرى فهو دخيل على الكرة الأرضية، فأسماك القرش على سبيل المثال عمرها في بحار المعمورة يزيد على 400 مليون عام وعمر الأسود والنمور يزيد على 150 مليون عام بينما عمر الإنسان الحديث لا يزيد على المليون عام، وهذا يعني أن الطبيعة قد برمجت هذه الحيوانات على طرائد وفرائس خاصة بها قبل ظهور الإنسان، بمعنى أن الإنسان لم يكن يوماً ضمن قائمة الغذاء لهذه الحيوانات المفترسة، ولكن ما الذي يدفع هذه الحيوانات أحيانا لمهاجمة الإنسان وافتراسه؟ منذ عام 1888م حدث كثير من حوادث افتراس الأسود للقرويين في شرق إفريقيا خاصة في موزنبيق وتنزانيا وكينيا، حدوث مثل هذه الحوادث حير علماء السلوك الحيواني، ولكن مع مطلق القرن العشرين تمكن بعض علماء السلوك من وضع إجابات مقنعة لهذا اللغز، فقد لوحظ أن النقص في طرائد الأسود خاصة الجواميس البرية كان السبب وراء هذا السلوك العدائي، أما السبب وراء النقص الكبير في أعداد الجواميس البرية، فهو تفشي داء الطاعون بين هذه المواشي الذي تسبب في انحدار أعدادها بصورة كبيرة.

ضعف مقاومة الإنسان وصغر حجمه بالنسبة للأسود البالغة من الأسباب القوية التي تغري الأسود بمهاجمته، أو قد يكون السبب في ضعف الأسود نفسها وعدم قدرتها على مطاردة الطرائد السريعة مثل الوعول والحمار الوحشي، أما في الهند وبنجلاديش فالقصة تختلف بعض الشيء، فالنمور الهندية في خليج البنغال لم يكن الإنسان يوما في خياراتها الغذائية، ولكن كثرة الجثث الآدمية التي تجرفها الأنهر في مواسم الفيضانات، إلى داخل النظم البيئية التي تعيش فيها هذه النمور مثلت ولائم سهلة لهذه النمور، التي تعودت فيما بعد على افتراس البشر.

هذه المقدمة البسيطة سردتها لتوضيح ما حدث وسيحدث في منتجع شرم الشيخ، وقد يحدث أيضا في أي منتجع على طول ضفتي البحر الأحمر. في رأيي أن ما حدث في شرم الشيخ وأقصد بذلك مهاجمة القروش لبعض السياح، ما هو إلا انعكاس لغرق العبارة التي ذهب ضحيتها المئات، فتخيلوا عدد الجثث الآدمية التي التهمتها القروش في هذا الحادث المؤسف, إذ لا شك أن العدد الكبير لهذه الجثث قد أحدث تغيرا كبيرا في السلوك الغذائي لأسماك القرش، فأصبح لديها ما يعرف بالسعر الغذائي للحم الإنسان Frenzy تماما مثل ما حدث مع النمور الهندية والأسود الأفريقية، السبب الثاني في رأيي هو أن الإنسان داخل الماء يمثل هدفاً سهلا بالنسبة للقروش، فالإنسان داخل الماء لا حول ولا قوة له!

ما نسج من قصص حول حادثة شرم الشيخ أثار دهشتي، فكيف بالله عليكم تستطيع أي دولة التحكم في سلوك أسماك القرش وتوجيهها في مهاجمة بلد آخر، الأمر الثاني الذي أثار دهشتي ما ذُكر في بعض الفضائيات أن القرش الذي هاجم السياح في منتجع شرم الشيخ هو القرش الأبيض Great whit shark علما بأن القرش الأبيض لا يتواجد مطلقا في البحر، وأكاد أجزم أن القرش المسؤول عن هذه المأساة هو أحد الأنواع الأربعة التالية فهو إما أن يكون: Tiger shark أو White tip أو Hammerhead shark أو Mako shark، والجدير بالذكر أن أسماك القرش لا تعيش في منطقة معينة مثل الأسماك الأخرى ولكنها رحالة فقد تكون اليوم في منتجع شرم الشيخ وغدا قد تكون في أحد منتجعات جدة، لذلك أرجو من جميع المنتجعات السياحية والمساكن الخاصة في مدينة جدة وغيرها المطلة على البحر الأحمر، أن يحرصوا على تركيب الشباك الحاجزة لأسماك القرش، لحماية ممارسي الرياضات المائية، وأعود وأكرر أن لا خوف مطلقا من القروش، ولكن الخوف يكمن في تغير السلوك الغذائي لهذه القروش الذي أرجو من الله أن يكون كسحابة صيف.. ويا أمان الخائفين.