فهد الصالح



نقف اليوم بالكثير من الأمل على أبواب تحول وطني ومجتمعي وأسري سنجني ثماره حتى ولو لم نتهيأ له، أو نستطيع التعايش معه، ليس لأننا غير قادرين ولكن لأننا غير معتادين على عجلة سريعة للأخذ بأسباب التحول للأفضل وللتغير الإيجابي في مناحي حياتنا، وإدراك منافع التكيف مع متغيرات العصر ومواكبتها والاستفادة منها والاستزادة من الرضا الداخلي، والقناعة الشخصية أن القادم دائماً سيكون للأفضل إذا أحسنا التعامل معه لأن الإحساس يصنع الواقع، ودون شك فالرتابة التي عشناها لعقود قد أثرت على قبولنا السريع بالتغيير، مع تسليمنا أن ثمة مقاومة دائمة له طالما أن قراءة سليمة ومنصفة للمستقبل لم تتحقق في المجتمع الصغير وهو الأسرة، وبالتالي المجتمع الكبير الذي يحتويه الوطن بكل تفاصيله، وهنا تصدق مقولة إذا لم تتقدم فستتقادم، وهي التي لا نريدها لهذا المجتمع الذي لا نشك في خيريته العامة، والتحول والتغيير لا نقصد بهما في هذا المقال فقط أنه مقتصر على برامج الدولة ومصالح الناس التي ترعاها وتدفع بها الدولة للأفضل، ولكن التغيير والتحول داخل الأسر.

 وبعد هذا المدخل التمهيدي نعود إلى العنوان الذي أصبح مألوفا عند الكثير، ولكنه لم ينتشر بمثل ما يأمله المجتمع، وتدفع به الدولة وتدعم تنظيمه ومأسسته، والذي أوكلته مشكورة لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، التي بدورها أصدرت تنظيماً ولائحة تهيئ معها الأرضية الصالحة والبيئة المناسبة لبناء صناديق أسرية، وفق ما تراه كل أسرة، وتصدر لها سجلاً خاصاً بذلك، يضمن استمرار صندوقها والمحافظة على إيراد الأسرة في ذلك الصندوق، وضبط مصاريفه وآلية الإنفاق منه مع توفير الاستشارة المجتمعية لمن يحتاج إليها، وقد صدر حتى الآن قرابة العشرين ترخيصاً لعشرين أسرة في هذا الوطن الكريم، وهو عدد لا شك قليل جداً، ولا يعكس الواقع الذي نرى عليه الأسر في مناطق المملكة، لأن هناك المئات منها قد بنت صناديق أسرية مثالية في تنظيمها، وكذلك في مخرجاتها، وتعدد اجتماعاتها ولقاءاتها، بل إن هناك أسرا وضعت رسالة ورؤية وأهدافاً وقيماً رائعة لصناديقها الأسرية، وكونت لذلك لجانا متنوعة ومجلسا للأمناء، وكذلك هيئة استشارية عليا يرجع إليها ويُلتزم بما يصدر عنها من قرارات أو وجهات نظر، وباختصار، فالعديد من الأسر تقوم من خلال هذا الصندوق بعمل مؤسسي دقيق، وهو ما سعت له الدولة وأوكلت أمره كما سبق لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية.

 ولأن الحديث عن الصناديق الأسرية التي تقوم في الغالب في بدايتها على رسم سنوي تتفق عليه الأسرة بعد اجتماعها الأول وتقرير فتح حساب باسمها أو اسم مشترك لبعض رموزها، ويكون التوقيع فيه في الغالب على اثنين من مجلس الأمناء أو أكثر، ثم يتبنى القادرون من كبار الأسرة وقادتها والميسورين منها بالتبرع للصندوق بعد تحديد رؤيته ورسالته وأهدافه وبرامجه الدورية والسنوية الخاصة، والتي توجه لأفراد الأسرة، وفي الغالب أنها تقتصر في البداية على تلمس احتياجات أفراد الأسرة وتقديم الدعم المالي الذي تقرره إدارة الصندوق لأنها تكفيهم مرارة الحاجة، وكذلك تقدم من تلك الصناديق الإعانات المالية المتفق عليها للمقبلين على الزواج، ويقدم الصندوق الأسري في اجتماعه السنوي جوائز مالية وعينية للمتفوقين من الأبناء والبنات لتشجيعهم، ويصرف من الصندوق ما تحتاجه ترتيبات اللقاء السنوي للرجال والنساء، ولقاءات العيدين، ويُستقبل فيه جزء من زكاة القادرين من الأسرة، لتوزع على محتاجيها، وهذا في الغالب موجود لدي جميع الأسر التي لها صندوق أو تربطهم رابطة تواصل متفقين عليها ومتعاونين.

 ختاماً، إن الأسر على مختلف مستوياتها مدعوة لتطبيق فكرة الصندوق الأسري لأن فيها تمثيلا حقيقيا للمسؤولية الاجتماعية الفردية والأسرية، ومعها إبراز كريم للتكافل الاجتماعي الذي حثنا عليه ديننا الإسلامي العظيم، فالأسرة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، كذلك فعلى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ألا تقف عند مهمة اللائحة وإصدار الترخيص، بل عليها أن تستنسخ التجارب الناجحة لتلك الصناديق وتقديمها في شكل دورات تدريبية وأوراق عمل، وتقيم لها مؤتمرات وندوات وتدعم انتشارها.