منذ قرن ونيف من الزمن، تعبر تقلبات فصول ومحطات الصراع في وعلى الشرق الأوسط عن ذروة احتدامها وتفجرها أو خبوها وتراجعها، بحدث سياسي دراماتيكي يوصف بـ«التاريخي» رغم أنه استمر يوما أو أياما معدودات.

وتوزعت الأحداث التاريخية على مدار شهور السنة، لكن كان لشهر نوفمبر حصة كبرى من الأحداث التي شكلت انعطافات حادة في مسارات أزمات الشرق الأوسط، ومنها:

قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3379، والذي اعتمد في 10 نوفمبر 1975، بتصويت 72 دولة بنعم، مقابل 35 بلا، وامتناع 32 عضوا عن التصويت، وحدد القرار «أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري».

وطالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيديولوجية الصهيونية التي حسب القرار تشكل خطرا على الأمن والسلم العالميين. أُلغي هذا القرار بموجب القرار 46/86 يوم 16 ديسمبر 1991 بعد عقد مؤتمر مدريد للسلام.

وكانت زيارة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات للقدس يوم السبت الموافق 19 نوفمبر 1977، حيث خاطب أعضاء الكنيست وقادة إسرائيل.

وتمخضت الزيارة وما تبعها من جولات مفاوضات مختلفة عن إنجاز معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل.

وصدر في 22 نوفمبر 1967، قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 كحلّ وسط بين عدة مشاريع قرارات طرحت للنقاش بعد حرب1967. وورد في المادة الأولى، الفقرة أ: «انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلت في النزاع الأخير»، وقد حذفت «أل» التعريف من كلمة «الأراضي» في النص الإنجليزي بهدف المحافظة على الغموض في تفسير هذا القرار.

وإضافة إلى قضية الانسحاب، فقد نص القرار على إنهاء حالة الحرب والاعتراف ضمنا بإسرائيل، دون ربط ذلك بحل قضية فلسطين التي اعتبرها القرار مشكلة لاجئين.

أما قرار تقسيم فلسطين، هو الاسم الذي أطلق على قرار الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة رقم 181، والذي أُصدر بتاريخ 29 نوفمبر 1947 بعد التصويت (33 مع، 13 ضد، 10 ممتنع)، فتبنّى خطة تقسيم فلسطين القاضية بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة، كالتالي: دولة عربية: تبلغ مساحتها نحو 11000 كيلومتر مربع ما يمثل 42.3% من فلسطين، ودولة يهودية: تبلغ مساحتها حوالي 15000 كيلومتر مربع ما يمثل 57.7% من فلسطين، وتقع القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة، تحت وصاية دولية.

ومن الجدير ذكره، أن تقسيم فلسطين طُرح للمرة الأولى عام 1937 من جانب اللجنة الملكية لفلسطين. ودعت اللجنة في اقتراحها إلى إقامة دولة يهودية في الجليل والسهول الساحلية، وإقامة جيب بريطاني في القدس ويافا، وإقامة دولة عربية فيما يتبقى من البلاد. كما أوصى هذا الاقتراح بـ«تبادل السكان» بين هاتين الدولتين، وهو ما كان يعني طرد ما لا يقل عن 225000 عربي من الدولة اليهودية، وطرد عدد أصغر بكثير من اليهود، يصل إلى 1250 يهوديا، من الدولة العربية.

وما يزال منطق التقسيم يهمن على فلسطين على مدى السنوات الثمانين المنصرمة. وكانت التوصية التي خلصت إليها هذه اللجنة، بتصويت أغلبية أعضائها، تقضي بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية تبسط سيطرتها على ما نسبته 56% من أرض فلسطين، ودولة عربية تسيطر على 43% منها، بينما تخضع القدس لإدارة دولية.

ولقد عاد التقسيم مرة أخرى من خلال صيغة حل الدولتين، وما تزال هذه الصيغة بمثابة الحل الذي يحظى بالإجماع لإنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، على الرغم من تنامي الشكوك التي تحوم حول جدواها ومدى قابليتها للتطبيق.

ولطالما طُرح التقسيم باعتباره حلا وسطا، كي يوفق بين مطلبين متشددين يصبو كل منهما إلى تحقيق حده الأقصى بإقامة دولة حصرية، إما يهودية أو عربية، على إقليم فلسطين الانتدابية بكامله. بيد أن الحل الوسط لا يُعد حلا وسطا على الإطلاق إلا إذا كان يعالج، في جانب منه على الأقل، المطالب الرئيسية التي يضعها الطرفان المعنيان. ولذلك، لم يكن التقسيم بمثابة متوسط تقني بين نقطتين على طرفيّ نقيض، وإنما كان عبارة عن حل معياري يسعى إلى التعامل مع معظم احتياجات اليهود والعرب في فلسطين ورغباتهم المهمة في فلسطين. وحسبما جاء على لسان اللجنة الملكية في هذا الخصوص، فإن فلسطين مقسمة هي بمثابة ساقية جارية وخير من نهر مقطوع.

ولا بد من القول إن فكرة التقسيم لم تنشأ في الجانب العربي. فمنذ مطلع العشرينات من القرن الماضي، كانت المطالب السياسية العربية في فلسطين واضحة ومتماثلة: إلغاء الانتداب، وبطلان الوطن القومي لليهود، وإقامة حكم ذاتي يفضي إلى استقلال العرب. وقد لاقى تقسيم فلسطين إجماعا عاما على رفضه بوصفه نموذجا ظالما فُرض على البلد الذي تقطنه أغلبية عربية لصالح مجتمع من المهاجرين الجدد.

بالمقابل، تتسم مسألة المواقف الصهيونية تجاه التقسيم بقدر كبير من التعقيد.

فعلى المستوى الرسمي، أعربت الحركة الصهيونية عن قبولها بالخطة التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بفلسطين، وعملت على حشد التأييد اللازم لاعتمادها من جانب الجمعية العام للأمم المتحدة، واحتفلت بها كما لو كانت إنجازا مهما.

ويضطلع هذا القبول الرسمي بقرار الأمم المتحدة 181 بدور محوري في الرواية القومية الإسرائيلية، باعتباره تسويغا للسياسات التي نفذتها إسرائيل خلال عام 1948، وما تزال تنفذها منذ ذلك الحين.

وينسجم هذا القبول كذلك مع وجهة النظر السائدة حول الصهيونية، بوصفها حركة تعتمد مسارا واضحا يتجه نحو إقامة دولة يهودية تتسم بالتجانس قدر الإمكان، ولا تسمح إلا باحتضان الحقوق اليهودية، اليهودية فقط.

كما أن التقسيم كان مبادرة انطلقت من الدوائر البريطانية، وتحولت إلى صيغة دولية، تلقفته الحركة الصهيونية، ووظفته لمصلحتها.

ولا ينبغي فهم التقسيم في سياقه المحلي فحسب، بل في سياق الاتجاه الأعم الذي ساد الفترة الممتدة بين الحربين العالميتين، وعمل على هندسة نظام عالمي يغلب عليه الاستقرار، ويقوم على الدول القومية في أساسه، ويخلو من الأقليات القومية كلما كان ذلك ممكنا. وقد تمخضت هذه الفلسفة التي بلغت أوجها من النفوذ والتأثير خلال العقد الرابع من القرن الماضي عن خسائر بشرية فادحة، بما شملته من ترحيل قسري طال الملايين وإعادة توطينهم.

واستمرار فرض إسرائيل أشكالا مختلفة من «الترانسفير» أي الترحيل الجماعي القسري على الفلسطينيين لا يردعه أو يكبحه إحياء اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في 29 نوفمبر من كل عام للتذكير بالقرار 181.