كشفت الوثائق التي نشرتها وكالة المخابرات المركزية الأميركية، ونقلتها من جهاز كمبيوتر خاص بزعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، عن وشائج القربى بين التنظيم وإيران، إذ أكدت أن طهران عرضت دعم القاعدة شريطة مهاجمتها المصالح الأميركية، وحلفاء أميركا من عرب السنة في المنطقة، في مسعى إيراني انتهازي للاستفادة من القاعدة، وتحويلها إلى إحدى أذرعتها الخارجية.




في وقت كشفت الوثائق التي نشرتها وكالة المخابرات المركزية الأميركية ونقلتها من جهاز كمبيوتر خاص بزعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن بعد غارة جوية شنتها في مايو 2011 ضد مجمع كان يقيم فيه بن لادن في مدينة أبوت أباد بباكستان، عن العلاقة الوثيقة والخفية التي تربط بن لادن والقاعدة وإيران التي عرضت على التنظيم التدريب في معسكرات حزب الله، قال مراقبون إن هناك تشابها في الأسس الفكرية بين القاعدة وملالي إيران، وإنه من هذا المنطلق جاءت العمليات الإرهابية ضد الولايات المتحدة وعدد من الدول العربية والأجنبية متفقة مع هذه الأسس التي تجنح إلى التطرف والإرهاب، مؤكدين أن العداء المشترك لأميركا وحلفائها هو ما يجمع إيران والقاعدة.

وحسب المراقبين، فقد طرح نائب الرئيس الأميركي مايك بنس قبل أيام، خلال الذكرى 34 لتفجير مقر المارينز «قوات مشاة البحرية الأميركية» في بيروت عام 1983 والذي أدى إلى مقتل 241 عسكرياً أميركياً - ويعد الأسوأ بعد «بيريل هاربر» عام 1945 - حول جذور الإرهاب ومصادره في المنطقة والعالم، بقوله «إن تفجير حزب الله والحرس الثوري مقر المارينز في بيروت وجه من إرهاب تنظيم القاعدة في 11 سبتمبر 2001.

وفتحت واشنطن ملف حزب الله منذ نشأته وسجله الإرهابي ضد الولايات المتحدة منذ ثمانينات القرن الماضي، وعلاقته بتنظيم القاعدة وأسامة بن لادن، لتشير إلى صرامة استراتيجيتها الجديدة ضد إيران وميليشياتها الذي أعلنها الرئيس دونالد ترمب في 13 أكتوبر الماضي.




الوثائق السرية

جاءت مجموعة الوثائق السرية (470 ألف ملف) التي تم العثور عليها في مايو 2011 على الكمبيوتر الشخصي لزعيم «تنظيم القاعدة» السابق أسامة بن لادن، لتؤكد وشائج القربى بين تنظيم القاعدة وإيران، وهذه الوثائق تتضمن دراسة عن الروابط بين القاعدة وإيران، وتظهر أن طهران عرضت دعم القاعدة شريطة مهاجمة المصالح الأميركية، كذلك وحسب الوثائق فإن إقامة حمزة بن لادن ومسؤولين آخرين من القاعدة في إيران في ظل حماية السلطات الإيرانية يمكن أن تشكل الدليل على وجود علاقة تعاون بين طهران وزعيم تنظيم القاعدة، فضلا عن تحذير أطلقه أسامة بن لادن لرفاقه من مهاجمة إيران، واصفا إياها بأنها الشريان الرئيسي للأموال والاتصالات والموظفين لتنظيم القاعدة».




علاقات موثقة

هذه الوقائع تطرح عددا من الأسئلة للوقوف على حقيقة مزاعم إيران وادعاءات القاعدة، ومن بينها كيف تبرر طهران مثلا موقفها الانتهازي أمام الشيعة العرب وفي العالم؟ خاصة بعد تعاون قادة تنظيم القاعدة مع نظام الملالي لضرب مصالح أميركا وحلفائها من العرب السنة في المنطقة، كما تجاوزت إيران الخلافات الإيديولوجية، بينها كدولة شيعية متشددة، وبين تنظيم القاعدة ذي النهج الإسلامي السني المتطرف، سعياً من أجل تحقيق مصالحها القومية وأهدافها في المنطقة، وهذا كان معروفا وليس جديدا، فقد أثبتت لجنة 11 سبتمبر التابعة للحكومة الأميركية أن ثمانية من خاطفي الطائرات التي استخدمت في هجمات 2001 الإرهابية مروا عبر إيران قبل وصولهم إلى الولايات المتحدة، فضلا عن أن علاقة طهران بالقاعدة موثقة منذ حرب أفغانستان في 2001، خاصة عندما هربت عائلات عناصر القاعدة من أفغانستان إلى إيران عبر مدينة مشهد الحدودية، ثم شكلت طهران ممرا آمنا للتنظيم من أفغانستان إلى العراق.




الغاية تبرر الوسيلة

من بين الوثائق التي كشفتها الوكالة الأميركية تقرير جاء فيه أن طهران عرضت على مقاتلي القاعدة «المال والأسلحة وكل شيء يحتاجونه، وعرضت عليهم التدريب في معسكرات حزب الله في لبنان، مقابل ضرب المصالح الأميركية في السعودية، غير أن الجديد في هذه الوثائق أن إيران لا يهمها أمر الشيعة في أي مكان ولا الشعوب العربية أو قضاياهم، وإنما وبالأساس محاربة أميركا ومصالحها وحلفائها في المنطقة والعالم، وذلك وفقا للمبدأ الميكيافيلي «الغاية تبرر الوسيلة»، والدليل يظهر في النقاط التالية:

غضت إيران الطرف عن عمليات إجرامية نفذتها مجموعات تابعة للقاعدة ضد المواطنين الشيعة في العراق.

وظفت طهران القاعدة في عدد من المهام أدت إلى تعزيز تمدد إيران في المنطقة.

إضعاف الموقف الأميركي في العراق كان لمصلحة طهران.

تحويل الثورة السورية إلى ثورة مسلحة، ثم استدراج القاعدة وداعش لاحقا كممثلين للمعارضة.

تكريس عمليات الميليشيات لمصلحة نظام بشار الأسد وبالتالي إيران.


ميليشيات إيران وتدمير الشرق الأوسط

أوضح مدير برنامج «ستاين» لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني، «ماثيو ليفيت»، في تقرير شامل صدر في واشنطن عن نشاطات حزب الله الإرهابية، تحت عنوان «نظرات على الإرهاب»، أنه في ديسمبر 2013 قدم النائب العام في مصر أدلة اتهامات جديدة ضد الرئيس المعزول محمد مرسي وغيره من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين «القطبيين نسبة إلى سيد قطب»، بما في ذلك إفشاء أسرار عسكرية لدولة أجنبية، والتآمر مع حركة حماس «فرع الإخوان المسلمين في غزة» و«حزب الله» اللبناني التابع لملالي إيران لتنفيذ هجمات إرهابية في مصر.

وقال ليفيت إن الاتهام الأساسي يشمل «حماس» و«حزب الله»، ويدعي بشكل خاص أن اثنين من الجماعات المتطرفة ساعدا الآلاف من السجناء للهروب من السجون المصرية، وإحداث نوع من الفوضى، في الأيام الأولى من ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، مشيراً إلى أن شبكة حزب الله تعمل في مصر منذ عام 2005 حتى أواخر عام 2008، وبنفس الطريقة التي تعمل بها في بلدان الشرق الأوسط، وفي أماكن أخرى خارج حدود لبنان.


عمليات حزب الله

ووفقا لماثيو ليفيت فإنه بينما الهدف المعلن لحزب الله كمنظمة لبنانية هو «المقاومة» فقط، فإن لديه سجلاً حافلاً من العمليات الإرهابية خارج لبنان، وفي مناطق ومواقع بعيدة عن الشرق الأوسط مثل الأرجنتين، حيث وقعت عام 1994 عملية تفجير في مركز للجالية اليهودية في بيونس أيرس، مما أسفر عن مقتل 85 شخصا وإصابة نحو 150 آخرين، وكذلك في تايلاند، حيث أجهضت في بانكوك خلال العام نفسه، محاولة لتفجير السفارة الإسرائيلية.

وشجعت إيران «حزب الله» على هذه الاتصالات والعلاقات الوثيقة مع المنظمات الفلسطينية، وذلك من خلال «الحرس الثوري»، ولا سيما فيلق «القدس»، ومارست طهران نفوذها وسيطرتها الكاملة على «حزب الله» منذ أوائل الثمانينات من القرن الماضي.

وفي ظل ما هو معروف بأن الحرس الثوري الإيراني هو المسؤول عن الإشراف على جميع الأنشطة القمعية في داخل إيران، فضلا عن أذرعها في الخارج مثل حزب الله وغيره، بدت قصة حزب الله في مصر أنها لم تبدأ عام 2005، وإنما ترجع إلى فبراير عام 1987 عندما اجتمع قادة في الاستخبارات الإيرانية بقادة من الإخوان المسلمين وغيرهم بغرض إنشاء حزب الله في مصر، وفي 1988 أعلنت الحكومة المصرية رسميا عن محاولة إيران إشعال ثورة على غرار الثورة الخمينية في مصر.




الضفة الغربية وغزة

أضاف ليفيت أنه خلال عامي 1990 و1995، بدأت تحركات الحرس الثوري الإيراني تنمو في الضفة الغربية وقطاع غزة، عبر تمويل معارضي اتفاقية «أوسلو» مع إسرائيل عام 1993 لتقويض عملية السلام.

ووفقا لتقارير الاستخبارات الأمنية الكندية، أعلنت الشرطة الفلسطينية في فبراير 1999 أنها اكتشفت وثائق تؤكد تحويل 35 مليون دولار لحماس من الاستخبارات الإيرانية، من أجل تمويل عمليات ضد أهداف إسرائيلية.

وفي سبتمبر 2000 مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، أوفدت إيران عماد مغنية العقل المدبر لحزب الله، لتعزيز قدرة العمليات للجماعات الفلسطينية المسلحة، وتحديدا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في فلسطين، مع تقديم الدعم السري للعملاء في شبكات حزب الله في أوروبا، التي كانت تمثل نقطة الانطلاق للتسلل داخل إسرائيل، كما دعم حزب الله الجماعات الفلسطينية المختلفة في شبه جزيرة سيناء لتنفيذ عمليات التهريب عبر الحدود مع غزة ومن تحت الأنفاق العديدة، فضلا عن التخطيط والتمويل والإمداد لمختلف الجرائم والمؤامرات ضد مصر.




استنتاجات لافتة

توصل ليفيت في ختام تقريره إلى عدد من الاستنتاجات اللافتة تضمنت ما يلي:


أولا: طبيعة العلاقة بين نشاطات حزب الله وإيران والقاعدة في سيناء وساحل العاج في إفريقيا إلى شرق آسيا وتايلاند والأرجنتين بالدعم اللوجستي للفلسطينيين، وتحديدا حماس والجهاد الإسلامي، حيث إن عمليات حزب الله الإرهابية تعود إلى 1983 و1985، وهي سلسلة من 7 تفجيرات في ساعتين، واستهداف اغتيال شخصية خليجية رفيعة المستوى.


ثانيا: استمر حزب الله في عملياته الإرهابية طيلة فترة التسعينات من القرن الماضي، ففي 1996 استطاع تفجير ثكنات القوات الجوية الأميركية في الخبر، وفي أوائل الألفية الثالثة دعم الوحدة 3800 في العراق في 2003. أما دوره في سورية فهو خطير للغاية، حيث يستثمر كل خلاياه في منطقة الطوق لدعم نظام بشار الأسد، وهذا كله لا علاقة له بالأكاذيب التي يروجها حول دعم الفلسطينيين.


ثالثا: إن مشاركة حزب الله في الحرب الأهلية في سورية وإشعال نار الطائفية تنقض كل مزاعم قادة حزب الله وإيران أمام العالم، كما أن غض الطرف من قبل ملالي إيران عن عمليات نفذتها مجموعات تابعة لتنظيم القاعدة ضد المواطنين العرب الشيعة في العراق، يفضح نواياها الحقيقية.


رابعا: منذ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، ثم مرة أخرى بعد حرب عام 2006، واستيلاء حزب الله على وسط بيروت في 2008، لا يزال الحزب الذي ينتمي إلى إيران يبرر وجوده أمام العالم بأنه حركة مقاومة، ولكي يجد مشروعية لاستمراره في الإرهاب أجج الحرب الأهلية في سورية، ولا يريد أن تهدأ أبدا.