جاء وصف وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للمرشد الإيراني علي خامنئي بـ«هتلر منطقة الشرق الأوسط»، في وقت احتار فيه كثيرون في وصف سياسات النظام الإيراني وسلوكه العدائي في المنطقة والعالم، وما إن انتشر مقال الكاتب الأميركي توماس فريدمان ناقلا هذا الوصف وتبريره على لسان ولي العهد السعودي، حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بعدة لغات، بما فيها الفارسية، ناقلة هذا الوصف المعبِّر ومؤيّدة له في الغالب.

إن سلوك نظام ولاية الفقيه العدائي في المنطقة، وانتهاج أتباعه القتل على الهوية في العراق وسورية وغيرهما، وإشعال نار الإرهاب وإذكاء الصراعات الطائفية في مجتمعات عُرفت بالتسامح والتعايش قبل بزوغ ذلك الفجر المشؤوم على المنطقة، بعد انتصار الثورة الشعبية في إيران واختطاف الملالي لها، وتَسنّم الولي الفقيه رأس الهرم السياسي والديني في إيران، يجعل المتابع يؤمن يقينا بأن تشبيه خامنئي بهتلر لم يأت من فراغ، ولم يكن مجرّد محاولة شيطنة للخصوم، بل إن الأفعال التي اقترفها -ولا يزال- نظام الولي الفقيه في المنطقة تعيد إلى الأذهان بعضا من تصرفات زعيم النازية في ألمانيا أدولف هتلر.

وإذا كان الخامنئي متحفظا في الحديث عن زعيم النازية هتلر أو الثناء عليه، فإننا نجد كثيرا من العبارات الإيجابية عن هتلر بين صفحات إرث معلّم الخامنئي وسلفه روح الله الخميني. على سبيل المثال لا الحصر، في حديث له مع بعض الشخصيات الرسمية الإيرانية يقول الخميني: «خلال حديث أجريته مع مجموعة من الناس، استشهدت بهتلر كمثال عندما غزا عدة دول من حوله، كفرنسا والاتحاد السوفييتي وغيرهما من الدول، لكنه لم يستطع أن يُبقي عليها في قبضته، فهُزم وانتحر. فماذا يجب أن نفعل للحفاظ على انتصارنا وتَجنّب ما حدث لهتلر؟ نحن الآن في منتصف الطريق، وأنا خائف من أن نصير إلى ما صار إليه هتلر من قبل».

من هذا الاقتباس تتضح عدة نقاط رئيسية، من أهمّها أن الخميني كان معجبا بهتلر وتصرفاته العدائية تجاه دول الجوار، وأن مشروع التوسّع الجغرافي ودفع الحدود إلى الخلف أمر محبّب لدى الخميني، لكنه أراد أن يتعلم من درس مصير هتلر وإقدامه على الانتحار بسبب عدم محافظته على المكتسبات التي حقّقها، بمحاولة تجنّب ذلك عبر استمرار الهروب إلى الأمام وعدم التوقّف عن المشروع التوسعي، لأن أي توقف عن ذلك وعن الحفاظ على المنجزات يعني أن العدّ التنازلي لتكرار مصير هتلر قد انطلق فعليا، وهذا ما لا يريده النظام الإيراني.

خامنئي الذي صمت عن الإعجاب بهتلر والثناء عليه، يطبّق اليوم استراتيجية الخميني بحذافيرها، لذلك نجده يتبع سياسة الهروب إلى الأمام عبر التدخّل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وهذا في نظره ما يُبقي نظام الولي الفقيه متماسكا أمام الإشكالات الداخلية والخارجية، على حدّ سواء، وأن أي تحوّل إلى دولة طبيعية يعني الانهيار التام.

وإذا كان خامنئي يسعى للمحافظة على النظام، ومن المستبعَد أن يُقدم على الانتحار جسديا، فإن الشعوب في إيران تسعى لإجبار خامنئي على الانتحار سياسيا عبر انتزاع حقوقها المغتصبة وإفشال استراتيجية الهروب إلى الخارج والعزف على مزاعم «العدوّ المتربص»، لتَجنّب الاستماع إلى مطالب تلك الشعوب طوال أربعة العقود الماضية. أما خارجيا، فإن الميليشيات والمرتزقة الذين استقطبهم النظام الإيراني من أكثر من سبع دول، ويعتمد عليهم في تنفيذ المشروع الإيراني في المنطقة العربية، سوف يرتدون على طهران في نهاية المطاف، شريطة بذل دول العالم جهودا مماثلة لما بذلته ضد داعش وأخواتها، وحينها سيجد النظام الإيراني نفسه في ورطة خارجية وتهديدات داخلية، فإن سلم من واحدة فلن ينجو من الأخرى.