تتشكل في ذهن كل منا صورة مختلفة عندما يتم ذكر كلمة «روسيا»، فالبعض ترتبط صورة روسيا لديه بالفن والأدب وقامات مثل «تولستوي» و«ديستوفسكي»، وبعضنا يتذكر الثلج، وبعضنا الشيوعية، وغير ذلك. يلحظ أن كثيرا مما كتب في العالم العربي عن روسيا كان في الغالب محتوى فنيا أو ثقافيا شعبيا، ويندر وجود محتويات تعنى بالداخل الروسي من ناحية سياسية، جيوسياسية، أو علمية اتصالية. وقد يكون أحد أسباب ذلك هو ندرة الحالة الروسية، فروسيا من ناحية جغرافية تأتي بعد الصين في اتساع حدها الجغرافي، حيث تتصل بشكل مباشر بعشرين دولة على الأقل، ومن ضمن هذه الدول الصين، وفنلندا، وكوريا الشمالية ومنغوليا وكازاخستان والنرويج وجورجيا. هذا الاتساع الجغرافي أدّى إلى التنوع الديموغرافي، والفدرالي ما بين الأقاليم والجمهوريات، والمناطق، التي تتحد تحت سقف واحد. تسبب كل ذلك في تعددية وتنوع ممارسات وتدريس الاتصال المؤسسي داخل الدولة الروسية، مما جعل على سبيل المثال أمورا تتم ممارستها اتصاليا في «موسكو» مرفوضة بشكل قطعي في مناطق أخرى روسية مثل «أومسك» أو «فورونيج»، حيث يختلف فهمهم للمحتوى، وطرق العرض، والتلقي.

وفقا للباحثة في جامعة انديانا الأميركية «كاترينا تسيتسورا» فإنه منذ سقوط الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينات الميلادية أولت روسيا اهتماما كبيرا بالاتصال المؤسسي الحكومي والسياسي على وجه الخصوص بهدف صناعة هوية دولية خاصة بها، وحتى المنح التي تقدّمها الحكومة الروسية تتركز على هذا الجانب الاتصالي تحديدا. تختلف روسيا عن الدول الأوروبية في رقابتها التشريعية للنشاط السياسي والاتصالي والإعلامي داخليا.

تهتم روسيا أيضا بالاتصال التسويقي الخارجي بالشكل الذي يتزامن مع نموها ودخولها للاقتصاد العالمي، ويكمن سبب اهتمام روسيا بهذا الجانب في امتلاكها لثروات نفطية وغازية تتطلب علاقات مبنية على الصفقات واللوبيات التجارية. ويأتي في المرتبة الثالثة بعد هذين النوعين، الاتصال التوعوي والخيري، حيث تشتهر في معظم جغرافيات روسيا حملات جمع الصدقات للفقراء عبر الاتصال مع مختلف طوائف المجتمع الروسي.

وإذا نظرنا إلى العلاقات العامة تحديداً ففي الداخل الروسي يتم تصنيفها إلى نوعين: علاقات عامة سوداء، وأخرى بيضاء. توصف الأولى بكونها تلاعبية، غير أخلاقية، أما الأخرى فهي العملية الإقناعية الطبيعية التي يتبادل فيها المتصل والعميل كمّا من المعلومات. وهذا التصنيف الروسي للعلاقات العامة لا يلاحظ في دول غير روسيا، حيث في أوروبا مثلا يتم وسم الحملات التلاعبية وغير الأخلاقية بكونها «دعاية»، ويقولون إنها لا تمت إلى العلاقات العامة بصلة؛ بينما يرى الروس الدعاية في هذا المفهوم نوعا من أنواع العلاقات العامة. ورغم كل هذه التباينات في روسيا ومفهومها للعلاقات العامة وتقسيمها للاتصال المؤسسي فإن هذه المجالات جميعها محط اهتمام حكومي وتقدّم ستين جامعة في روسيا دراسة مكثفة للإعلام والاتصال والعلاقات العامة إلى جانب البعثات والمنح الرسمية. كما وعطفا على النقاط الجغرافية المذكورة سابقا فإن الطلاب الروس يحظون بتأهيل يختلف من منطقة لأخرى، حيث تقدّم جامعات «موسكو» و «سانت بطرسبرج» نظاما أقرب ما يكون إلى الاتصال والعلاقات العامة الغربية، بينما تلك المناطق التي تحد آسيا الوسطى والشرقية تقدّم نظاما أكثر تقليدية وتحفظا.