يمكن اعتبار المؤشر الإعلامي المحلي، وهو عرض لأهم ما ينشر في الصحافة السعودية الرسمية بصورة يومية، مقياساً لمؤشرات الاهتمام المجتمعي الآني. طالعنا هذا المؤشر يوم الثلاثاء 9 محرم 1432 بفيض من التقارير والأخبار والمقالات التي يطغى عليها بشكل لافت التمحور حول المرأة أو التداخل مع قضاياها بشكل مباشر أو غير مباشر. وهو بذلك نبض لما يعصف بالمجتمع من أزمة ثقافية فكرية واجتماعية تشكل المرأة جوهرها. عمل المرأة، تعليم المرأة، الرياضة المدرسية وصحة المرأة، المرأة الصحفية، عيون المرأة وهيئة الأمر بالمعروف، المرأة والهيئات الوطنية، وغيرها من القضايا العامة التي لا بد أن تتعامل معها المرأة باعتبارها مواطنة وإنساناً في المجتمع.

ويبدو بوضوح أن المرأة هي أكبر ما أشكل على المجتمع فبات يقتات على أخبارها ومآسيها وكأنها ليست إنساناً من ذات المنشأ الآدمي تعيش على نفس الكوكب الأرضي. هذه المرأة باتت تدور حولها رحى الحروب الفكرية وتتحلق عليها نوائب الإشكالات الاجتماعية والاقتصادية، حتى إنه ليبدو لمن يطالع صحفنا وكأننا إنما نعيش في سباق محموم وحيد حول ما يجب على المرأة أن تفعله وما يجب أن تتركه؛ أو كأننا في معركة ترفع المرأة على أسنة الرماح انتصاراً لأجندة تقليدية موتورة خط عليها قدر المرأة بأن تكون "جوهرة مصونة" أو "رجس من عمل الشيطان" لا يقيم لشخصها وزناً في ميزان الحقوق الحياتية والكرامة الإنسانية، ولا لعقلها حساباً في ميزان العمل المجتمعي للارتقاء.

أن يزخر ملفنا الإعلامي بكل هذه المواضيع والقضايا التي تتصدرها المرأة وتكون محورها الأوحد، يشي بوهم زائف وكأننا انتهينا من حل قضايانا المفصلية في التنمية والاقتصاد، والعلم والتعليم، والعمل والبطالة، والدخول إلى عالم مجتمع المعرفة ورسم المستقبل. وأسوق هنا بعض العناوين لما ورد من تقارير وأخبار في ملف المؤشر الإعلامي لهذا اليوم فقط:

"تحقيق جهات رقابية مع مسؤولين في مستشفى الصحة النفسية في الطائف بشأن إحياء حفل نسائي بمناسبة رأس السنة الهجرية".

"مواجهة شغب أحدثته فتيات قرية الأيتام في المدينة المنورة اللاتي احتجزن المديرة والأخصائيات العاملات في دار الفتيات التابعة للقرية".

"تحري إدارتي التربية والتعليم والصحة في منطقة عسير عن هويتي الشاب والفتاة المضبوطين في الخلوة غير الشرعية مساء الأربعاء الماضي بمدينة أبها".

"ملف قضية فتاة أبها والتي كان قد تم القبض عليها حسب ما تؤكد الهيئة في خلوة غير شرعية نتج عنها القبض عليها وإحالتها لمركز شرطة غرب أبها، حيث تم التحفظ عليها هناك حتى تصل السجانة. ثم تردد بأنه عقب وصول الأخيرة اعتدت عليها وعلى رجل الهيئة الذي حاول التدخل لفض الاعتداء المزعوم".

"التحقيق مع إعلاميتين فشلتا في تنفيذ مهمة خطف بـ (مساعدية جدة)"

"الشرطة تفرج عن محررتي عكاظ"

"البليهي للنساء: أنتن ضد أنفسكن!"

"التحقيق في اقتحام فنانتين لكشوفات معهد نسائي في حائل".

"رجل الأعمال "صالح كامل" يصرح في برنامج "إضاءات" أن هناك منذ زمن - يعود إلى قرابة الثلاثين سنة- من يستأسد على النساء المحتاجات، ويمانع عمل المرأة حتى لو كان في بيئة عمل نسائية صرفة".

أما المقالات التي تتناول الشأن النسائي فكان أبرزها يدور حول منتدى السيدة خديجة بنت خويلد والذي عقد في جدة قبل حوالي أسبوعين ومازالت أصداؤه تدوي ليس لعرض ما أنجزه، ولا لمناقشة الأفكار التي طرحها، (فمعاذ الله أن تشغلنا سفاسف الأمور من هذا القبيل) ولكن للتعليق على شكل المنتدى وشكل من شارك فيه، بحيث حظي على نصيب وافر من حملة منظمة تقف ضد جهود النساء المخلصة للمشاركة في التنمية.

لم يكن مستغرباً أن يمثل هذا المنتدى راية يتحلق حولها المتأزمون وكأنها معركة حربية بين أعداء لا باعتبارها ساحة حوار ورأي، ولا باعتبارها قضية تنمية ووطن. إذ ليس من المنتظر ممن ينصبون أنفسهم حماة للمرأة وأوصياء على نوايا المجتمع أن يقبلوا جهود المرأة الحقيقية والتي باتت تلامس الواقع عن قرب وتعالج قضاياه بشفافية من منطلق تنموي واقعي بعيداً عن الشعارات والمزايدة. وليس من المنتظر ممن همه السيطرة على مفاصل المجتمع أن تكون قضايا التنمية والإنسانية محل اعتباره.

إن ما طرحته القائمات على منتدى السيدة خديجة هو خلاصة لجهود تحكي بالأرقام حقائق عن وضع المرأة السعودية في سوق العمل والمصاعب التي تواجهها في مسيرتها للمساهمة في التنمية المجتمعية بشكل عام. فقد قدم المنتدى حقائق مهمة قد يغفل عنها من لم يجد من إسهام يقدمه سوى نعته على أنه "مشروع أميركي لإفساد المجتمع"، حقائق شملت دور المرأة في المساهمة في المجالات التنموية. فالمرأة السعودية ساهمت بجلاء وتساهم بكل قدرة وكفاءة في مجالات التعليم والتدريب، الصحة والعلوم، الاقتصاد وإدارة الإعمال، السلك الدبلوماسي والعسكري، والإعلام، صنع القرار، المحاماة، والرياضة بالرغم من التحديات الإدارية والتنظيمية وتحديات ثقافة العادات والتقاليد والتحديات العديدة في بيئة العمل.

لقد حققت المرأة السعودية قفزات في مجال التعليم إذ اهتمت الدولة بتعليم المرأة منذ عام 1960م ليصبح بعدها بعقد واحد حوالي 50% من النساء السعوديات ملتحقات بالمدارس، ومع بداية القرن الحادي والعشرين بلغت هذه النسبة 93%. وفي الصحة والعلوم شغلت الطبيبات في مختلف التخصصات رئاسة أقسام طبية في المستشفيات أسوة بالأطباء. وفي السلك الدبلوماسي والعسكري هناك عدد من السعوديات يعلمن في سفارات المملكة في كندا وواشنطن، كما تشارك المرأة السعودية في معظم الوفود الرسمية لتمثيل المملكة في المحافل الدولية، بالإضافة إلى استحداث أقسام للنساء في السلك العسكري مثل الجوازات، السجون، الدفاع المدني ومكافحة الحرائق.

وعلى المستوى الاقتصادي، ارتفع عدد السعوديات العاملات في القطاع الخاص بنسبة 27% خلال سنتين، أي من أربعين ألف موظفة في بداية عام 2006 إلى إحدى وخمسين ألفا مع انقضاء عام 2007، وزاد عدد العاملات في البنوك بنسبة 280%، كما تقوم 97% من السعوديات بإدارة شؤون تجارتهن في البيع بالجملة والمفرق، وخدمات اقتصادية ومالية وعمرانية. كما قامت وزارة التجارة والصناعة بافتتاح قسم نسائي لتسهيل ممارسة النساء لأعمالهن التجارية. وتم إنشاء صندوق المئوية عام 2005م لتزويد الشباب بالتمويل لتحقيق مشاريعهم وقد خصص الصندوق 26% من التمويل في عام واحد لمشاريع تديرها نساء.

هذه هي الحقائق وهذه هي الأرقام التي استعرضها المنتدى، فأين واقع المزايدين منها؟ ولماذا تصدمهم الحقائق عندما تحكيها المرأة عن واقعها ومن واقعها. وإلى متى نظل نبعثر جهودنا ونحن نرى الحقائق تصدمنا حول النساء العاطلات والمتسولات والشاكيات لهيئات حقوق الإنسان والمحتجزات في مراكز الشرطة بتهم نحن المسؤولون عنها؟

لقد قلت في مقال سابق، وأكرر هنا، أن هذه النظرة التشييئية التي يحملها البعض في عمقهم حول المرأة هي في مضمونها انتقاص منهم لذواتهم ولإنسانيتهم قبل أن تكون انتقاصاً من ذات المرأة أو إنسانيتها. وما لم يرتق الإنسان، رجلاً أو امرأة، بفكره وبمشاعره وبممارساته إلى المستوى الإنساني الذي أسس له ديننا الحنيف، فإننا في العمق لا نخدم هذا الدين العظيم مهما تعالت الأصوات وخشنت الألفاظ.