يأتي قرار مجلس إدارة الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع في 11 ديسمبر 2017 بالموافقة على إصدار تراخيص لفتح دور للعرض السينمائي بالسعودية، حسما للتوقعات المتفائلة والأخرى المتشائمة حول السماح بانطلاق العروض السينمائية في البلد من عدمه، بعد مرحلة توقف طويلة جدا دامت أربعين سنة، تعطلت خلالها عجلة التطور والتقدم في هذا المجال الرحب الواسع، وإن كنت أجزم بأنه لم يفوتنا الشيء الكثير من التطور بفضل مواصلة رواد المجال -على قلتهم- في السعي للتجربة ومراكمة الخبرات، مع متابعة الشباب وشغفهم المعروف، إضافة إلى أن عملية نقل التجارب الناجحة والمتقدمة في البلدان الأخرى أضحت عملية سهلة متى ما توفرت الإمكانات اللازمة لذلك، وأراهن على أننا سنزاحم على المركز الأول إقليميا قريبا، لما عرف عن السعودي من ريادة وتميز وإبداع، وأتحدث هنا عن السينما كصناعة واستثمار ومجال يدر دخلا هائلا من الأموال، ومولد نشط للوظائف والأعمال الصغيرة والمتوسطة الأصيلة والمساندة.

وجاء القرار ليؤكد على أن المحتوى المعروض خاضع لمعايير السياسة الإعلامية السعودية، المعروفة بمحافظتها وتوازنها، وتماشيها مع القيم والثوابت المرعية بما يضمن تقديم محتوى ثري وهادف، لا يخل بالاعتبارات الأخلاقية في المملكة.

وأحدثك عن السينما التي هي في أقل حالاتها ترفيه، وفي أعلى درجاتها حياة، وهي بين هذا وذاك ثقافة، وعلم وفن، وإبداع، وإلهام، ألهمت العلماء والمبتكرين بالخيال الكافي لزرع أفكارهم في أرض خصبة، وقياس مدى تأثيرها ونجاحها نظريا، ثم تحويلها إلى واقع، بل عدّ بعض الباحثين أن السينما هي الملهم الثاني للعلم بعد الطبيعة، وكثير من الاختراعات التي نستخدمها اليوم وتعتبر جزءا أساسا من حياتنا سبق أن طرحتها السينما قبل أن تصبح أشياء ملموسة وتتحول واقعا بدهيا في حياتنا، كالصعود إلى القمر، والهاتف الجوال، والروبوت أو الإنسان الآلي، وغيرها الكثير...

السينما حياة حينما تصور لك الدنيا بأي نكهة طلبت. السينما حياة حينما تحلق من خلالها وكأنها نسر ترى من عينيه الدنيا بحلوها ومرها، فرحها وحزنها، نزواتها ورغباتها. السينما حياة حينما تتجلى فيها عظمة الدراما. السينما حياة حينما تجيب عن أسئلتك عبر إرث عالمي متراكم من العلوم والفنون والحضارات والتاريخ. السينما حياة تغوص في الأسئلة الوجودية، وترفع مستوى الوعي أو حتى تزيفه لسطوتها وسلطتها وجبروتها. السينما حياة حينما تحرك ساكنك للبحث والتأمل ومواجهة الذات، السينما حياة حينما أجابت عن: لماذا يكره الناس بعضهم؟ ولماذا يحبون بعض؟ لماذا يقتلون بعضهم؟ ولماذا يحمون بعض؟ السينما حياة حينما تصحبك في رحلة عبر الزمن تعود بك إلى عقود من السنوات مضت بمختلف تفاصيلها الواقعية وروحها وعبق أيامها. السينما حياة حينما تضع بين يديك تصورا عن المستقبل ولغزه المستعصي، وشكله ولونه حتى بات مألوفا. السينما حياة حينما تعبر عن قيمة الحب وعمق الذكرى. السينما حياة حينما تواجهنا بمخاوفنا -المرض، العجز، الوحدة- التي نـحاول تجاهلها آنيًّا ونحن نعلم أنها بانتظارنا في قابل الأيام بشكل أو بآخر. السينما حياة حينما تغذي رغبتنا بشعور الخوف والإثارة في آن معا. السينما حياة حينما تقوم برصد رحلة الناس خلال الحياة، وهي حياة حينما يتجلى الإبداع فيها والخيال الخلّاق لتستعرض الحياة ذاتها من خلال رحلة الناس.

السينما حياة ولغتها الأم هي الصورة، تخاطب بها وتكتب بها وترسم بها وتعبر عن مشاعرها لتنقل الأفكار وتداعب الخيال وتصحب المشاهد في تجربة معايشة فريدة، تتكرر مع كل إبداع سينمائي، إلى حد لو خلا بعض الأفلام من النص لاستطاع أن يوصل قوله من خلال لغة الصورة لا أكثر.

فهل بعد هذا نتأخر عن هذا الفتح العظيم على البشر كل هذه المدة؟! لتكتمل طهورية موهومة لمجتمع بشري طبيعي، يمرح كما يمرح الآخرون ويفرح ويحزن ويخطئ ويصيب.

المهم في الفترة القادمة ألا نغلب على السينما كما غلبنا على غيرها، (فالسينما هي الأكثر أهمية بالنسبة لنا بين جميع الفنون) كما قال لينين بعد الثورة البلشفية.