من أحمد الرضيمان إلى الأخ جمال خاشقجي هدانا الله وإياه لطاعة الرحمن، وجنبنا وإياه نزعات الشيطان.. آمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فالموجب لهذه الرسالة النصح والتواصي بالحق، فإن الدين النصيحة، والمؤمنون نصحة، والمنافقون غَشَشَة، فأرجو أن تتقبل هذه النصيحة بقبولٍ حسن، ولا يحملك ما فيها من صراحة على النفور والإعراض.

فأقول: تعلم أخي جمال - هداك الله - مكانة بلادنا المملكة العربية السعودية وقادتها، فبلادنا هي مهبط الوحي، ومنبع الإسلام، ودار السلام، وواحة الأمن والاستقرار. وولاتنا هم أنصار دين الله منذ ثلاثمئة سنة ولا يزالون، ونسأل الله أن يديمهم على ذلك مادامت السماوات والأرض، هذه حقائق، لا ينكرها إلا من سفه نفسه، وأنكر الشمس في رابعة النهار، وحينئذٍ لا حاجة – يا جمال - للمزايدة على دولتنا بتعظيم أحزاب وجماعات سياسية تنتسب للإسلام، وهي في حقيقتها جماعات ضِرار، تنقض عرى الإسلام عروة عروة، وليس هذا موطن بسط انحرافاتها العقدية والفكرية.

لقد اطلعت – يا أخي جمال- على بعض مقولاتك وتغريداتك، فرأيتها تتضمن منكرا من القول وزورا، وما كان لك أن تناوئ بلادك وقادتك، الذين كان فضلهم عليك كبيرا، ولا أن تكون - هداك الله- للخائنين خصيما، ولو ذهبت أنقل كلامك وأرد عليه، لطال الكلام جدا، لكني سأكتفي بالرد على بعض ما سمعته منك أو قرأته لك، بما تسمح به مساحة هذا المقال.

وبداية لابد أن يكون المرجع عند النزاع والخلاف هو الكتاب والسنة عملا بقوله تعالى: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ? ذَ?لِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا) وشيء، نكرة في سياق الشرط، فيفيد العموم.

وسأذكر بعض المسائل التي خالفتَ فيها، ونعرضها على الكتاب والسنة، وبيان ذلك كما يلي:

1 - ذهبتَ - يا أخي جمال- مغاضبا لبلدك، وذكرت أن السبب أنك تريد الكلام وعدم السكوت، لأن ذلك يُنافي الحرية، وأنك لا تتحمل اتصالا يأتيك بإيقاف كتابة المقالات ونحوها، هذا ما نشرتَه أنت وأكثرت الكلام فيه.

والجواب: السياسة - يا جمال- لها أهلها من ولاة الأمور، وقد حمَّلهم الله هذه الأمانة، وحَمَّلنا نحن الرعية عدم منازعتهم الأمر، كما في قول النبي عليه الصلاة والسلام: (عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم)، فلماذا تُنازِع الأمر أهله، وتُعجَب بنفسك، وتلجأ إلى القال والقيل والتهييج والإثارة، هذا والله ليس من الإسلام في شيء، بل هو مخالف لمقتضى البيعة الوارد في حديث عبادة: (وألا ننازع الأمر أهله).

ألا تعلم - يا جمال - أن عمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ تكلم في مسألة فقهية، وهي تيمم الجنب، فأنكر عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فبيَّن عمارٌ أنه سمع ذلك من الرسول عليه الصلاة والسلام، وليس من عنده، ثم قال - وهنا الشاهد- (يا أمير المؤمنين بما جعل الله لك عليَّ من الطاعة إن شئتَ لا أُحدِّث لا أُحدِّث)، الله أكبر صحابي جليل، يتقرب إلى الله بطاعة من أمر الله بطاعته وهو ولي الأمر، ولو بالسكوت عن ذكر مسألة مهمة يعلمها، لم يقل هذا خنق للحرية، ولا أتحمل ذلك، كما فعلتَ أنت يا جمال، فما الذي يجعل هذا الصحابي يمتثل الأمر ولو بالسكوت، وأنت لا تمتثل؟ وكنتُ سمعتُ شيخنا ابن عثيمين يقول: «والله لو أن الدولة قالت امتنع يا ابن عثيمين عن الكلام في العلم والتدريس لامتنعتُ طاعة لله الذي أمرني بطاعتهم، ولو قالوا: لا تؤم الناس، لصرتُ مأموما، ولا أسمح لأحد أن يثير بسبب منعي شيئا»، واستدل بحديث عمار السابق، وأضاف: «الحق ليس معلقا بالأشخاص، الأشخاص يموتون ويبقى الحق، وإذا منعوني لا يعني أنهم منعوا كل أحد من أهل العلم، والحمد لله كُفيت المؤونة، وهذا هو عذري عند الله».

هذا هو موقف العلماء الراسخين، لكنك يا جمال أعرضت عن طريقهم، وسلكت طريقة الإخوان المفلسين، واللبراليين المنفلتين، مرةً مع هؤلاء ومرة مع هؤلاء، تتجارى بك الأهواء، فأنقذ نفسك، وارجع إلى الحق، ولا تنزع يدا من طاعة، فإن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول: (مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ).

2 - تكثر من الهمز واللمز – يا أخي جمال - على سياسة بلدك، وكأنك أعلم منهم، وما هكذا النصح، بل النصح يكون وفق الحديث الذي صححه الألباني: (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه)، والإنسان إذا كتب ما يراه لولي الأمر بسرية تامة، برئت ذمته، إن كان قصده الدين واستشعار المسؤولية، أما اللجوء إلى مناكفة الدولة وقادتها عبر القنوات والتغريدات، فلا علاقة لذلك بالنصح من قريب ولا بعيد، وإنما هذا مسلك الخوارج، وأرجو أن تحذر طريقتهم.

ولقد سمعتك – يا أخي جمال- تثني على خطاب أمير قطر، وأنه يأمر بعدم السب والمناكفة، فيا سبحان الله، ألم تعلم يا جمال أنهم في نظام قطر فعلوا ما هو أسوأ من السب، خططوا لتقسيم بلادنا، ولا أدري أسمعتَ هذا بالصوت والصورة في القنوات، أم أن عين الرضا عن كل عيب كليلة؟ لقد جمعوا – يا جمال- شذاذ الآفاق للإضرار بوحدتنا، وصرفوا الأموال وجندوا كل ما يستطيعون للإساءة إلى منبع الإسلام، ومأرز الإيمان، وأنصار التوحيد والسنة، ومنذ عشرين عاما وهم يتبعون خطوات الشيطان، ثم أنت تأتي في قناتهم الشريرة تمدحهم، أليس عندك غيرة على وطنك وقادتك ومجتمعك؟

فاتق الله - أخي جمال - وتب إلى الله، ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا، وارجع إلى الحق فذلك فضيلة، واقتد بالسلف، فقد قال أحدهم عندما تبين له خطؤه: (إِذًا أَرجِع، وأنَا صَاغِرٌ، إِذًا أَرجِعُ، وأنَا صَاغِرٌ؛ لأَنْ أَكُونَ ذَنَبًا في الحَقِّ أَحبُّ إليَّ مِن أن أَكُونَ رأسًا في البَاطلِ).