العدل أساس كل شيء في الحياة، ومثل ما اعتدنا أن ننقد ونتناول في طرحنا، معاناة أفراد المجتمع وكل ما يمس احتياجاته الأساسية من الداخل. علينا أيضا أن نعترف، بأن هذا النقد المستمر الذي بدأ منذ سنوات، لم يضع هدراً، بل أخذ يحقق ثماره تدريجيا ويوما بعد يوم. ومثلما عبرنا عن استيائنا وغضبنا، ضد خدمات وأداء عدد من الوزارات. اليوم نثمن التغيير حتى لو كان طفيفاً، وأصبح واجبا علينا، الإشادة بزوايا التحسين والتطوير المختلفة، التي طرأت على عدد من الخدمات والوزارات أيضا.

اليوم سأبدأ بوزارة العدل، إذ لدي قناعة شخصية، مبنية على أن أداء وزارة العدل يأتي، على هرم الوزارات الأخرى، فإذا تحسن وتطور، وأصبحت أنظمته أكثر إحكاماً وإنصافاً، تحسن أداء الوزارات والقطاعات الأخرى، لأن العدل الوزارة الوحيدة التي من شأنها، أن تعيد إلى المواطنين حقوقهم وتنصفهم، فاليوم يستطيع أي فرد متضرر، أن يرفع قضية ضد أي وزارة أو مسؤول، لذلك أصبحت ثقة الناس بالوزارة، في ارتفاع مستمر، خاصة بعد إنصاف الفرد، أمام أجهزة حكومية كبيرة، وإنصاف نسبة كبيرة من النساء في قضايا الحضانة والنفقة.

والمراقب اليوم، لأداء وزارة العدل، ليس مثل مراقب الأمس، الذي كان يبني معلوماته، على أساس تكهنات ومعلومات منقولة فقط، دون أن يعلم مصدرها، أو يدرك معاييرها، أو المؤشرات التي تقيسها.

فمن يزور بوابة وزارة العدل اليوم، سيجد أنها أتاحت الكثير من المعلومات، وسهلت الوصول إليها بكل شفافية. فبعد أن وضعت مؤشرات عدلية، تشتمل على بيانات وإحصاءات، تعكس واقع العمل في المحاكم وكتابات العدل، حرصت على متابعة تلك المؤشرات، وربطها بشكل إلكتروني دقيق، لمتابعة تقييم أداء وأعمال الوزارة. كما وسّعت أيضاً من نطاق الخدمات الإلكترونية وأتاحتها للجميع. حيث وفرت أكثر من 20 خدمة إلكترونية على موقع الوزارة، وأتاحت للمهتمين والباحثين، الاطلاع بكل شفافية على 95 مؤشرا رئيسيا إلكترونيا، وأكثر من 475 مؤشرا فرعيا ناتجا من تلك المؤشرات الرئيسية.

فعلى سبيل المثال، تستطيع اليوم قراءة التقرير الشهري للوزارة، ومعرفة أن عدد صكوك الطلاق في المملكة وصل إلى 5,337 صكا، مقابل 10,305 لعقود النكاح، والتي صدر أكثر من نصفها من منطقتي مكة والرياض في شهر صفر.

ومن الأمور اللافتة للنظر في التقرير الشهري أيضاً، أن طلبات التنفيذ الواردة لمحاكم التنفيذ، لنفس الشهر «صفر»، بلغت 97,32% من المطالبات المالية، مقابل 2,68 % من طلبات التنفيذ، لحقوق أخرى مثل (الحضانة والنفقة والزيارة). وتستطيع معرفة أن غالبية تلك الطلبات، صدرت من محاكم الشرقية، ومكة والرياض، التي تصدرت المجموع العام لبقية مناطق المملكة. وهذه الشفافية من تطوير وتوثيق لإجراءات العمل، لا تكشف للمواطن فقط حجم الأعمال التي تقوم بها وزارة العدل، بل توثق المجهودات التي يقوم بها منسوبو الوزارة حاليا، مقارنة بأدائهم في الأعوام الماضية.

وعند المطالبات المالية، دعونا نتوقف عند نقطة مهمة، بحاجة إلى تصنيف وتدقيق أكبر من وزارة العدل. فمن المفترض أن يكون هناك تفريق بين مطالبات الأفراد ضد الشركات، والبنوك ضد الأفراد، والأفراد ضد الأفراد وهكذا. والأهم أن يستمر النظام بفلترة أنواع قضايا المطالبات المالية، للوصول إلى مزيد من الدقة، فما يهم الكثير أن نفصل بين قضايا مطالبة البنوك للعسكريين، بسبب غيابهم الطويل، والمتعطلين عن العمل بسبب انقطاع راتبهم الشهري. ونحن نعرف جيدا أن البنوك بالذات، من أكثر القطاعات المستفيدة داخل المملكة، وأرباحهم السنوية تشهد بذلك. لذا لابد أن تجد وزارة العدل، حلا عادلا ومنصفا، لمن تكشف بياناته للمحكمة، بأنه معسر ولا يملك في رصيده قرشاً للتسديد، إذ أصبح ضروريا أن تفرق العدل في نظام الإيقاف، بين المعسر المعدم، والهارب من تسديد مستحقات الآخرين.

فهناك حالات متعددة، وقعت لعسكريين، مرابطين على الجبهة، لم تخجل البنوك من رفع قضايا عليهم، ولم تنتظر حتى عودتهم من جبهات القتال. وهناك حالات أخرى، تم إثباتها لدى البنوك، بأنهم فُصلوا من أعمالهم، بسبب ضعف أداء وزارة أخرى مثل وزارة العمل، التي سهلت فصل آلاف الموظفين تحت بنود كارثية مثل (77’ 75) وحولتهم إلى عاطلين. ومع ذلك لا وجود للإنسانية في الأنظمة البنكية، التي تستطيع أن تُحدِثها مؤسسة النقد، تبعاً لما يحدث من تغييرات اجتماعية، ولكنها لا تريد أن تفعل، ولم تطلب منهم أي جهة وضع تلك المتغيرات في الاعتبار. ونحن بلد معروف بأن أحد أهم أساساته التكافل الاجتماعي. نظام إيقاف خدمات ضحايا وزارة العمل، غير عادل، ونطمح أن يجد وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء، حلا سريعا لإنقاذ هذه الشريحة من الظلم الواقع عليهم، بعد أن فقدوا وظائفهم، وراتبهم الشهري. فإيقاف الخدمات بالنسبة لهم، قطع لجميع سبل الحياة، فلا يوجد أي حل متاح أمامهم سوى الدخول إلى السجن، للحصول على صك إعسار. ودخول السجن من أجل إصدار صك إعسار، أمر غير منصف، لأن بعض المعسرين حقاً، لا يملكون من متاع الدنيا شيئا.