سعد آل عثمان



يشكل التعليم رافدا مهما في بناء الإنسان معرفيا، وقد مرت المجتمعات، سواء في الشرق أو الغرب، بتجارب شتى حملت في طياتها النافع والضار. وبالنظر إلى مجتمعنا السعودي فقد مررنا بمراحل متعددة كانت بدايتها تتسم بالصعوبة والتسلط التربوي من قبل من كان يحمل رسالة التعليم في ذلك الوقت، التي أشبهها بالمعتقلات لا المدارس التربوية.

وجميع القدماء عاصروا جميع الفئات في التعليم، سواء العنصر السعودي أو الأجنبي، وقد كان المعلم همّاً وكابوسا مرعبا لا يزال يذكره الجميع ممن عاصروا تلك الحقبة الزمنية التعيسة.

باختصار لقد سرقوا فرحة الطفولة من أفواه الأطفال ذوي البراءة المرسومة على شفاههم بحجة التعليم، فسحقا

له من تعليم يزرع الخوف والقلق في نفوس بريئة لا تعلم ما ساقها لهذا المعتقل المدرسي المرعب، الذي لا يخف سطوته إلا عند دخول المرحلة الجامعية. وللأسف أنه توجد بقايا أفكار تسلطية لبعض من يمارس التعليم بسبب الحقبة السابقة، ولولا قوة النظام لعادت بنا العجلة التعليمية إلى بدايات مراحلها الأولى القديمة. ومن بقايا آثار التعليم غير الواقعي وغير الموزون مع إيقاعات العصر الحالي كثرة المناهج، وكأن الطالب يحضر رسالة ماجستير أو دكتوراه، ولو قام أهل الاختصاص في مجال الإحصاء المعرفي بدراسة تشمل الجميع، وتقسيمهم إلى ثلاث فئات (كبار – شباب – صغار) ومعرفة مدى ما بقي من معلومات دراسية من أرشيف الماضي، وهل بقي منها شيء، أم هي ذهبت كما يذهب السراب في مجاهيل الصحراء؟!، لكانت النتيجة الصادمة والمؤلمة والجميع يشترك في ذلك أنها قد ذهبت مع أدراج الرياح بساعتها وأيامها وسنينها الطويلة. ولم تبق إلا خبرة العمل الممارس.

والسؤال المهم في هذا الموضوع الشائك ما الحل؟

الحل يكون في جعل مدارسنا وصروحنا التعليمية بيئات جاذبة لا طاردة، ويكمن الأمر في تقليص المناهج إلى المعارف الأساسية التي لا بد منها، كالدين والكتابة والقراءة والحساب ومادة المعارف التي تشمل العلوم المعرفية الأخرى، بالإضافة إلى إدراج الحاسب واللغة الإنجليزية بشكل مخفف في الصفوف المتقدمة والمناسبة لتعلم المهارة.

كما يجب تعديل نظام الرسوب، حيث إنه مجانب للعدالة المعرفية أن يعيد الطالب سنة كاملة لأجل مادة أو مادتين ونحو ذلك، بل من المفترض أن يقوى معرفيا بحصص داعمة لإخفاقه في تلك المواد مع مجاراة زملائه في المسار التعليمي. ومما ينبغي ذكره أن جل المعلومات التي سوف تقدم للطالب سوف تنسى إلا إذا كانت مشوقة ذات معنى مقل لا هرج مملّ، حتى يتمكن الدارس في المستقبل من استحضارها.

أما المرحلة المفصلية الثانوية العامة، مرحلة تقاطع الطرق المستقبلية للدارسين، فلا بد من معرفة ميول الطلاب وتوجهاتهم، مقدما وتوجيهها إلى المسار المناسب لهم، مع الأخذ في الحسبان أنها مرحلة عامة وليست تخصصية جامعية، بل مرحلة تهيئة لدراسة الجامعة ذات الأقسام التخصصية، وينبغي عدم التشعب غير المفيد بها، والمواد المسترسلة في أنواع التخصصات الأخرى يجب تقليصها إلى أبعد حد.

وفي النهاية لنجعل من صروحنا التعليمية بيئات جاذبة ومرحة ومشوقة، لا طاردة للعلم والمعرفة. ولو أحب المرء شيئا لتفنن فيه.