الحالات العدائية مثل: المشاجرة الدامية، والسرقة، وعقوق الوالدين، تكون غالبا في مرحلة الطيش أكثر منها
في أي مرحلة عمرية أخرى.
الحلول المطبقة في بلدنا لطيش المراهقين تكون بقضاء محكومية حبس احتياطي في دور الملاحظة الاجتماعية.
وزارة العمل والتنمية الاجتماعية تقوم بتوفير خدمات وبرامج متنوعة، إن كانت تعليمية، أو صحية، أو تثقيفية، لتقويم سلوكهم في دور الملاحظة. هذا الجهد المبذول للنزلاء يكون تحت أيدي أخصائيين. تصرف الوزارة التكلفة المادية لثمن إقامة ومعيشة وتعليم هذا النزيل في كل مرة يزور فيها الدار.
نقول، إن الأطفال ورقة بيضاء يسهل رسم القيم والسلوك التي يريدها الوالدان والمجتمع فيها. في حال تقييم سلوك خاطئ مكتسب، يكون الطفل بحاجة إلى خطاب عاطفي ربما يكون ممزوجا بحزم في أصعب الظروف.
البالغ تكون شخصيته قد نُحِتت، وفكره قد تم تشكله مع الزمان، في هذه المرحلة هو يحتاج إلى خطاب عقلي إقناعي لتغيير سلوك ما. المراهق يكون ضائعا بين الفئتين. يحصل من المجتمع لبس في التعامل مع هذه الفئة. بما أننا نراه في جسد بالغ فنضعه في فئة البالغين في التعامل، مع علمنا التام أنه مراهق.
لكن في الحقيقة، المراهقة مرحلة شبه منفصلة عن الطفولة في أكثر من ناحية، ومنفصلة تماما عن النضج والبلوغ.
المراهق قد يكون بقوة جسدية تفوق البالغ، واندفاع للحياة يفوق الطفل، فكيف نستطيع السيطرة على هذه الطاقة من غير كوارث؟، وكيف نستطيع إصلاح الكوارث الناتجة من هذه الطاقة؟.
الحلول المطروحة من دور الملاحظة، والتي سبق ذكرها من إرشاد لتقويم السلوك، تكون مناسبة لعمر وقضية النزيل.
لكن، هل المستوى الإدراكي للمراهق يخوله أن يستوعب أهمية هذه الدروس التعليمية والسلوكية التي تُقدم له، سواء في المنزل أو دور الملاحظة؟
إجابة هذا السؤال في غاية الأهمية، لأن منها قد تحفظ الوزارة آلاف الريالات بإعادة صياغة منهجيتها. إذا كانت الإجابة بنعم، إذًا فلماذا لا زلنا نسمع عن حالات فرار من الدار، وحالات تعاد إلى الدار أكثر من مرة بعد انتهاء المحكومية الأولى.
إن فهم الفسيولوجية التكوينية لدماغ وطريقة تفكير هذه المرحلة العمرية، تعطينا الحل الأفضل للتعامل معها.
في المراهقة، الشخص يمر بمرحلتين: الأولى، بلوغ اجتماعي عاطفي، وهي المرحلة التي تكون فيها الحساسية عالية من المجتمع الذي حوله، وهذه المرحلة تكون سريعة. الثانية: مرحلة البلوغ الإدراكي العقلي. هذه المرحلة تأتي متأخرة، وتأخذ وقتا طويلا حتى تكتمل.
النتائج البحثية في البلوغ الإدراكي العقلي كثيرة، والتغيرات التي تحدث في نمو العقل تكون في أكثر من منطقه في الدماغ، حسب الفئة العمرية.
نُشرت نتائج دراسة أجرتها جامعة هارفارد عن بناء تطور عقل المراهقين. في مقارنة بين ردود أفعال فئة مكونة من مراهقين «13 -20 سنة»، وفئة بالغين. الدراسة كانت تتطلب من المتطوعين إجراء مهاهم خلال عمل مسح لنشاط الدماغ (FMRI brain scanner)، مع مقارنة أدائهم في إنجاز المهمات بنتائج المسح الدماغي، لُوحِظ أن اكتمال منطقة في الدماغ تسمى corticostriatalnetwork يختلف باختلاف المرحلة العمرية.
هذه المنطقة المسؤولة عن سلوك الشخص وتصرفاته، تستمر في التطور حتى يصل الشخص إلى عمر 25 سنة.
التطور يحصل أيضا في الخلايا العصبية ونهايات الناقلات العصبية، مع اكتمال تطورها تكتسب غلافا يجعل نقل الإشارات العصبية أسرع.
الفئة البالغة التي ثبُت أن لديها اكتمالا في نضوج المنطقة في أدمغتها، كان أداؤها أفضل، وقراراتها أكثر رشدا، من المراهقين الذين لم يكتمل لديهم التطور.
هذه الدراسات تخبرنا أن عقل المراهق من الناحية البيولوجية ربما لا يجعله في مرحلة يتخذ القرارات الصحيحة في حياته. فما نشاهده من سلوك طائش من المراهقين هو نتيجة أفكار صادرة من عقل غير مكتمل النضج. لا يستطيع أن يحلل خطورة قراراته ونتائج أفعاله، بالتالي يصدر سلوكا غير مدروسة عواقبه.
على الرغم من أن الأخصائيين النفسيين دائما ينصحون باستعمال لغة الحوار والتخاطب العقلي مع هذه الفئة العمرية، وهذا ما يحصل في دور الملاحظة، إلا أن ضعف قوة عمل الناقلات العصبية لديهم، مقارنة بالبالغين، تجعلهم غير قادرين على استيعاب النصائح وتطبيقها بشكل فوري، لأنهم يكونون في وضع لا يميز المهم من الأقل أهمية.
لذلك، معالجة مشكلاتهم بالبرامج التثقيفية والنصح والإرشاد وحدها لا تكفي. الفائدة ربما تكون أكبر حينما تكون هذه الدروس النظرية والمحاضرات مصاحبة لدروس ميدانية، لأنها تكون مقاربة للواقع، بدلا من سرد قصص للعظة والعبرة وحدها.
فتكون تلك البرامج مصاحبة بعقاب عملي ميداني. فبدل النزول في الدار لأشهر ويتم الصرف عليه، يقضي محكوميته في عمل بتصليح ما تم إفساده لمدة محددة.
فمثلا، من يُقبض عليه في قضية تعذيب حيوانات، تكون عليه محكومية بالعمل في حديقة الحيوان، من يتم حبسه بسبب عقوق الوالدين، يقضي محكوميته بالعمل في دار المسنين، من يتطاول بالضرب على طبيب، يُحكم عليه بالعمل في مخازن المستشفيات، من يقوم بتخريب المرافق العامة، يُحكم عليه بالعمل في نظافتها وتنظيمها، من يقبض عليه في ترويج مخدرات، يُحكم عليه بالعمل في مستشفيات الأمل، وهكذا. عقاب يوازي الفعل. البيولوجية التكوينية لعقل المراهق ربما لا تستوعب محاضرة لساعتين مثلا عن أهمية الحفاظ على الثروة الحيوانية ورحمة الحيوانات، والجزاء الديني لمعذبيها. لكن نزوله ميدانيا للعمل في حديقة الحيوان، سيجعله يستوعب أكثر أهمية هذه الثروة، بل وقد يحبها.
اعتماد هذه الطريقة كجزء من الحل يعود بالفائدة إلى أكثر من جهة، أولا: ينمي حب العمل والانضباط، ثانيا: فرصة الاختلاط بعصابات فاسدة ستكون أقل، لأن المحكوم عليه سيكون محاطا ببالغين وليس بمراهقين، يتقاربون في العمر ويختلفون في الجرائم، كما يحدث في الدور.
استغلال الطاقة الشبابية بالعمل ودون مقابل يكون عائدا ماديا للدولة أيضا.