كنت أتحدث مع مسؤولة في روضة ابني عن الرسوم المتبقية، والروضات الخاصة ليست خيارا للأم العاملة، لعدم وجود روضات حكومية إلا ما ندر، فأبلغتني بأنه تبقى لي قسطان، أحدهما قبل نهاية العام والثاني بعده، واقترحت بأنه إن كنت أرغب في تجنب ضريبة القيمة المضافة، بأن أستكمل الرسوم جميعها قبل بدء السنة الجديدة. وكانت تلك المرة التي شعرت فيها بأن هذه الضريبة باتت واقعا، وأنها ستمسني شخصيا، وكل الحديث الذي يدور حولها، والذي كنت أتجاهله تقريبا حتى الآن، هو في الواقع يعنيني بشكل مباشر.

كنت أتوقع أن تكون هناك ضرائب على بعض السلع والخدمات، وما كان هذا ليكون جديدا بالنسبة لي، فقد عشت ردحا من عمري في المملكة المتحدة كطالبة وموظفة. وكطالبة كنت معفاة من جل الضرائب تقريبا. لكنني حين تخرجت وعملت في واحدة من أكبر الشركات العالمية العاملة في لندن فقد عرفت ماذا تعني ضريبة الدخل، وضريبة الخدمات البلدية وغيرها. ولكن مصدر استغرابي بعد ذلك الحوار في المدرسة هو أنني سأدفع ضريبة على أمر له علاقة بالتعليم والأطفال، وكلاهما غير مشمولين بالضريبة في بلد أوروبي ورأسمالي كبريطانيا.

في المملكة المتحدة هناك ضرائب عالية بالفعل، ولكنها تستثني كل ما له علاقة بالتعليم والتدريب، وما له علاقة بالثقافة مثل الكتب، والمواد الغذائية الأساسية، وملابس الأطفال واحتياجاتهم إذا كانوا دون الرابعة عشرة من العمر.

فالأصل في التعليم الإلزامي أنه حكومي ومجاني، والأهالي الذين يختارون أن يضعوا أطفالهم في مدارس خاصة فهم إنما يخففون عن الدولة عبء تعليم أبنائهم، ويدفعون لا سيما في جدة والرياض مبالغ كبيرة جدا في السنة. ولا أتحدث فقط عن الرسوم الدراسية التي تتراوح بين 10 آلاف و70 ألف ريال، وإنما هناك رسوم أخرى للزي المدرسي والأدوات التعليمية والكتب والرحلات وغيرها. والدولة -حفظها الله- كانت تُقدر ذلك وتقوم بتقديم دعم سنوي لهذه المدارس الأهلية، ولهذا كان مفاجئا أن تخضع الرسوم الدراسية للضريبة الجديدة! فهل توقف الدعم الحكومي للمدارس الخاصة؟

إذا كان الأمر كذلك فإذاً قد تم توفير هذا البند للميزانية، ولا حاجة لإثقال كاهل الأهالي بالمزيد من التكاليف. خاصة أن وزارة التعليم لم تنجح في كبح جماح ملاك المدارس الخاصة فيما يتعلق بالزيادة المطردة للرسوم الدراسية بشكل شبه سنوي (قبل إقرار الضريبة)، ولا شك أن الأمر سيتواصل بعدها، وسيواجه الأهالي في كل عام معضلة الرسوم المدرسية ومعها الآن الضريبة الجديدة.

قد يلجأ بعض الأهالي، كما حصل عند اقتطاع البدلات العام الماضي، إلى سحب أبنائهم من المدارس الخاصة، خاصة من لديه أربعة أطفال وأكثر، ونقلهم لمدارس حكومية، مما يزيد الضغط على التعليم الحكومي. وكأن ما كسبته الدولة من المدارس الأهلية ستصرفه مباشرة لاستيعابهم في التعليم الحكومي. مع ما يمكن أن يتسبب به النقل القسري للأطفال من فصولهم الواسعة وأصدقائهم القدامى إلى فصول مكتظة وبيئة مختلفة، من ضرر نفسي ومعنوي عليهم.

إن أحد أسباب إدخال الأبناء في مدارس خاصة هو الحصول على تعليم أفضل، يجعلهم مؤهلين بشكل أكبر للجامعات ولسوق العمل المحلي. فالاستثمار في تعليم الأبناء ليس ترفا، وإنما يرى الكثيرون أن جزءا من واجبهم كآباء وأمهات أن يوفروا مستقبلا جيدا لأبنائهم لإعدادهم لحياة الكريمة مستقبلا.

وما ينطبق على المدارس الأهلية ينطبق على الكليات والجامعات الأهلية، خاصة بعد توقف الابتعاث الداخلي تقريبا، وينطبق على معاهد اللغة والكمبيوتر وغيرها، فالتعليم والتدريب والتطوير إنما يصب في تحسين مستوى الأفراد والأسر، وجعل المواطنين قادرين على المنافسة في سوق عمل متغير على الدوام، فإثقاله بالضرائب والرسوم، مع الأسعار المرتفعة أيضا سوف يحد من فائدته وقد يصرف الناس عنه.

وإذا كان هذا حديثنا عن التعليم، وهو ذو شجون، فالأمر عينه في مجال الخدمات الصحية التي يبدو أنها أيضا غير معفاة، سواء ما يتعلق بالعلاج في المستشفيات الخاصة أو رسوم التأمين الطبي السنوي.

وإذا كان البعض سيجادل بأن التعليم الخاص ترف يمكن الاستغناء عنه، فإن هذا الكلام لا ينطبق على الصحة. فالإنسان لا يذهب إلى الطبيب إلا مضطرا، ولن يذهب إلى مستشفى خاص إلا والخيارات الأخرى أمامه معدومة أو غير مناسبة أو منطقية. فإما أن يكون مقيما، وبالتالي لا يحق له العلاج الحكومي، أو أن يكون مواطنا، لكنه يدرك أن الحصول على موعد في مستشفى حكومي يعني الانتظار لأيام أو أسابيع أو أشهر. فحتى لو لم يكن المرض مهددا لحياته، فإن الألم قد لا يطاق أحيانا، ولنأخذ ألم الأسنان على سبيل المثال، ضرس أكله السوس كفيل بأن يحرمك النوم والقدرة على الحياة الطبيعية لعدة أيام. وتكلفة علاج الأسنان (وليس التجميل!)، في العيادات الجيدة مرتفعة أصلاً، فكيف إذا أضيفت لها الرسوم؟

وما ينطبق على الأسنان ينطبق على كافة العلاجات الأخرى، بل حتى على الولادات الطبيعية والعمليات القيصرية، وأمراض الأطفال، فهؤلاء الصغار حين يمرضون لا تملك أن تنتظر موعدا لهم في مستشفى حكومي، بل ستهرع بهم إلى أقرب مشفى خاص إن كانت حالتك المادية تسمح، وإن لم تسمح فستجد نفسك تقترض من الآخرين لصحة وراحة أبنائك، لأن هذا واجبك. قد يقول البعض وماذا عن خدمات الطوارئ؟ ولهؤلاء أقول بأن الطوارئ في كل البلدان التي عشت فيها، وليس المملكة فقط، هي تجربة مزعجة جداً ومؤلمة، فما لم تكن ضحية حادث سيارة -لا سمح الله- وفاقدا الوعي تماما ورأسك يشج دماً، فمن المرجح أن تمكث هناك طويلا قبل أن يفكر أحد بإلقاء نظرة عليك.

لقد ارتأت الدولة للمصلحة العامة أن تفرض ضرائب، وتم تفهم الأمر وتقبله، ولكن هذا لا يمنع من الأخذ بعين الاعتبار الحاجات الأساسية للإنسان، كالغذاء والصحة والتعليم، بحيث تُعفى أو تُستثنى، حتى لا تثقل كاهل الأسر بمصاريف إضافية مع بداية السنة الجديدة. وليتم النظر إلى هذين القطاعين الحيويين كاستثمار بعيد الأمد في مستقبل البلد، فالإنسان دون صحة ممتازة وتعليم جيد لا يكون قادرا على العطاء والبناء.