تقول الكاتبة التركية «اليف شافاق»، المقيمة في بريطانيا، في أحد لقاءاتها مع كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، إن المجتمع التركي ربما يبدو ظاهريا متفتحا ويحترم المرأة والحريات الفردية، مثل أي مجتمع أوروبي مجاور له، ولكن ما إن تحك سطحه حتى تظهر حقيقة النظرة السلبية والنمطية فيه لكثير من أطياف المجتمع.

ما زال المجتمع التركي -بحسب الكاتبة- حتى اليوم، يشهد ممارسات مثل اغتصاب الطفل، وتزويج القاصر، وكراهية الآخر والمختلف.

والأمر الأكثر خطورة، هو أن معظم هذه الإشكالات التي يعانيها المجتمع التركي هي خفيّة وداخلية، ولا يلتقطها إلا من يعيش لديهم فترة طويلة، أو إلى حد ما من يستهلك إعلامهم بإفراط. ولعل أحد المحتويات الإعلامية التركية الأكثر تداولا واستهلاكا، هو المسلسلات الطويلة أو بالإنجليزية «سوب أوبرا».

إن حسابات «إنستجرام» التي تغطي أخبار هذه المسلسلات، تحظى بملايين المتابعات، والعدد يزداد بشكل ملحوظ في «يوتيوب»، إذ ربما تصل مشاهدة النسخة العربية لحلقة واحدة فقط من هذه المسلسلات إلى 5 ملايين مشاهدة، بل حتى إن هناك مواقع ومنتديات متخصصة في دبلجة وترجمة المسلسلات التركية لا يُعرف أصحابها، ولكنها تستهدف الجمهور الخليجي والعربي.

يكمن إشكال المسلسلات التركية تحديدا فيما يتعلق بتمثيل المرأة، إذ يتم تمثيلها كمخلوق ضعيف، مغلوب على أمره، دوما عرضة للتعذيب والابتزاز والإهانة.

الأمر المؤسف أن معظم التفاعل مع مسلسلات تركية تحوي هذا التمثيل غير الواعي، يكون من فتيات صغيرات في السن، وبذلك أعني طالبات في المرحلة المتوسطة والثانوية. هذه السن أو العمر يجعلهن أكثر عرضة من غيرهن للتأثر، إذا أخذنا في الحسبان أيضا كثافة التلقي، إذ تراوح مدة الحلقة الواحدة في المسلسلات التركية بين ساعتين وثلاث ساعات، ربما تستمر بها مدة المسلسل من عام واحد واثنين، وصولا إلى ما يزيد على السنوات العشر.

في الحقيقة، إن الادعاء بأن المسلسلات التركية مضرّة اجتماعيا، أو بالأحرى تفوق غيرها فيما يتعلق بالإخفاق في تمثيل المرأة والإساءة إلى دورها، ليست بدعة أتيت بها، ولم يسبقني إليها أحد، بل قد تحدثت حول ذلك كبريات الصحف الأميركية، بما فيها صحيفة «يو إس اي توداي» التي أشارت حرفيا إلى أنه «بينما يفترض على المسلسلات الطويلة أن ترشد المشاهد في أسلوب حياته، وتعلّمه كيف يتصرف ويتخذ القرار الصحيح، نجد المسلسلات التركية تقوم بالنقيض من ذلك فيما يخص المرأة، ذلك أنها تجعل المرأة الجيدة هي فقط تلك الاتكالية التي تعتمد على الرجل في كل شيء».

ويضيف التقرير، أن ضرر المسلسلات التركية ربما يصل في حالاته المتطرفة إلى تشجيع الاغتصاب في المجتمعات التي تستهلكها بكثافة، ضاربة المثال بمسلسل «فاطمة غول»، والذي تتعرض فيه البطلة للاغتصاب من مدمني مخدرات تقع في النهاية في حب أحدهم.

يمكن القول، إن المسلسلات التركية متهمة من أكاديميين ومختصين في الدراما ببعض الاتهامات، بما في ذلك أنها تلطف وتطبّع العنف ضد المرأة، وتؤثر سلبا على العلاقة المنظومة الاجتماعية، إذ إنها ترفع سقف التوقعات غير الواقعي من كلا الجنسين تجاه الآخر.

يذكر أن مثل هذه الاتهامات للمسلسلات التركية، والتي تدعونا إلى التفكير مليّا في حظرها، لا تصدر من مختصين غربيين فحسب، ولكن من المختصين الأتراك أنفسهم، فقد أشاروا بشكل متكرر إلى ضرر المحتوى الدرامي القادم من موطنهم، ولعل «اليف شافاق» المذكورة سلفا أحدهم، وربما تكون أكثرهم موضوعية في طرح هذا الإشكال.