يقتصر الترفيه الداخلي في مجتمعنا السعودي حتى وقت قريب على الذهاب للأسواق والمقاهي والمطاعم ورحلات الشواطئ، والبعض يقضي الإجازة في حضور الأفراح والمناسبات، أما من لديه القدرة والاستطاعة فيظل ينتظر إجازته السنوية ليشد الرحال إلى أي مكان خارج الحدود بحثا عن الترفيه. ومع بدء فعاليات الهيئة العامة للترفيه تفاعل المواطنون بين مؤيد ومعارض، وتبادلوا الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعضهم معجب بالمبادرات، والبعض الآخر منتقد لها.

وبلغة الأرقام تشير التقارير إلى أن السعوديين يحتلون المرتبة الأولى عالميا في الإنفاق السياحي بنحو 6.6 آلاف دولار (ما يقارب 25 ألف ريال) للرحلة الواحدة. ويبلغ الإنفاق السنوي للسعوديين على السياحة ما يقارب 45 مليار ريال، وتأتي دول ماليزيا وسيرلانكا وسنغافورة وتركيا في المراتب الأولى المفضلة للسياحة، بل تشير الإحصائيات إلى أن هناك سياحا سعوديين وصلوا لدول تعاني من بنية تحتية ضعيفة. كذلك تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من مليون مواطن سعودي يشدون رحالهم إلى دول مجاورة سنويا، فأصبح المواطن السعودي هو المصدر الأول للسياحة الداخلية بتلك الدول. كذلك تشير الإحصائيات إلى عبور عشرات الآلاف لجسر الملك فهد مع نهاية كل أسبوع. أما المغادرون إلى دول مصر والمغرب وأوروبا فهم أعداد لا تقل عن تلك الأعداد التي تتوجه لشرق آسيا.

ورغم ما تحمله هيئة الترفيه من أمل لضخ كل هذا الإنفاق إلى الداخل إلا أنها تواجه تحديات عدة، أهمها قدرتها على المنافسة وجذب المواطن إلى السياحة والترفيه الداخلي، وصرف انتباهه عن مغريات السياحة الخارجية. ويأتي التحدي الآخر من قبل أعراف وتقاليد اجتماعية قيدت الكثير ، فهناك من يرى أن الترفيه داخليا غير مقبول، ولكن لا بأس من ذلك لو كان خارج الحدود. ولعله من الغريب أن تقام حفلة غنائية في دولة أخرى يكون المؤدي فيها سعوديا، والفرقة الموسيقية سعودية، والجمهور سعوديا، وكذلك فإن غالبية الشعب السعودي يشاهد مباريات كرة القدم والمسرحيات والأفلام السينمائية والحفلات الغنائية وبرامج المسابقات والترفيه، ولكن نجد في المقابل أن هناك جدلا في وجود المسرح والسينما والغناء.

إننا لا نستطيع أن نعيش في معزل عن العالم بحجة أننا الأفضل، والتغيير قادم لا محالة، وبعض ما كنا نخشاه ونراه تغيرا للمجتمع ثبت لاحقا أنه قد يكون مفيدا، فالتلغراف والسيارة والهاتف والتلفزيون والجوال والأقمار الصناعية والإنترنت لم تلغ هويتنا ولم تبدد قيمنا، كذلك فإن سفرنا للخارج ومكوثنا أشهرا وسنوات بين ظهراني (أهل الكتاب) لم يجعل منا يهودَ أو نصارى.

وتظل المشكلة في أن البعض يعتقدون أنهم الأفضل ببقائهم على ما هم عليه، ويتغافلون عن حقيقة أنه رغم انغلاقهم على أنفسهم ومحاربتهم كل جديد فهذا لم يجعل من محيطهم محيطا فاضلا خاليا من الفساد والتخلف، ولعل سبب الانغلاق ليس الخوف على المجتمع وقيمه، ولكنه الخوف من خسارة المزايا والمصالح.