صدمة كبيرة يعيشها نظام الملالي في طهران بسبب المظاهرات الحاشدة التي تشهدها أكثر من 100 مدينة، ضد فساد النظام وسوء إدارته للبلاد، واحتجاجا على سياساته العدائية، وتدخلاته السالبة في شؤون دول الجوار، التي لم تؤد إلا إلى تعقيد الأوضاع في الداخل الإيراني، وانهيار الاقتصاد وتفاقم الأوضاع المعيشية، وتسببت كذلك في تزايد العزلة الدولية المفروضة عليه، حتى لم تعد طهران تتمتع بعلاقات طبيعية إلا مع قلة من دول العالم، وباتت منبوذة تلاحقها الاتهامات في كافة المنابر الدولية.

ويدرك العالم بأسره – عدا أركان نظام الولي الفقيه – أن مشكلة إيران تكمن في تزايد معدلات القهر والظلم، فالسجون مليئة بالمعارضين الذين ظل بعضهم وراء القضبان لأكثر من ربع قرن، وأن الشعب يرفض حرمانه من خيرات بلاده، وتوجيهها لمساعدة دكتاتور سورية، ومتشددي العراق، وإرهابيي اليمن، ومثير الفتنة في لبنان، واحتواء المتطرفين من كافة أنحاء العالم، وتجييشهم في ميليشيات طائفية. إلا أن نظام خامنئي وزمرته دأب على ملاحقة صاحب كل رأي مخالف لسياسات الحكومة، وإن كان من باب الإصلاح، وتطارده تهم العمالة للخارج، وتنتظرهم محاكمات صورية تنتهي به إلى مصير مظلم. لكن السياسات القمعية لن تكون حلا لهذا النظام إلا إذا اعتقل كل الشعب وقمعه داخل الزنازين.

المثير للسخرية أن النظام الذي اعتاد الهروب من الحقيقة، والانفصام عن الواقع، حاول – بطريقته - إيجاد مسببات لما يحدث، فلم يجد مبررا له سوى أنه مؤامرة خارجية، وأن من يتظاهرون في الشوارع هم الدواعش، وهذا التفسير يكشف العقلية التي تدير إيران في الوقت الحالي، ومحاولات حجب ضوء الشمس بغربال كما يقولون، لأن اتهام ملايين الأشخاص بأنهم يتبعون التنظيم المتطرف يعطي الأخير أكبر من حقه، لأن إجمالي عدد عناصره وأتباعه في كل دول العالم لم يصل إلى نصف عدد الذين يتظاهرون حاليا في شوارع طهران. كما أن اتهام حكومة لمواطنيها الذين يتظاهرون لإصلاح حال بلادهم بأنهم دواعش هو إساءة بالغة. والنقطة الأكثر خطورة هي أن الاتهام يعطي الضوء الأخضر لمتطرفي النظام وصقور الحرس الثوري لتصفية الثائرين الغاضبين، وهو ما بدأ بالفعل، حيث تؤكد منظمات دولية أن عدد القتلى شارف على الـ100 قتيل، إضافة إلى أكثر من 4 آلاف معتقل.

الشعب الإيراني ببساطة لم ينجرف وراء سياسات التضليل السياسي، ومحاولات تسييس الدين، وتوظيف الطائفية والمذهبية لتحقيق أهداف وأجندة خاصة، فهو شعب عريق يحتفظ بوعي سياسي على درجة عالية، ويرغب في العيش بسلام مع محيطه الإقليمي ومجتمعه الدولي. لذلك فإن الأقلية التي تحكمه، وحاولت ترسيخ حكمها باتباع سياسات التفريق العنصري والطائفي، وانحازت إلى عرقية الفرس على حساب القوميات الأخرى، باغتتها المفاجأة عندما ارتفعت أصوات الجميع، بلا تمييز، وهي تدعو بالموت للمرشد الأعلى، وتمزق صوره في الشوارع، وترفع اللافتات التي تتهمه بالدكتاتورية، وهو الذي حاول أن يضفي على نفسه صفة القداسة، والتظاهر بأنه فوق مستوى النقد والتوجيه. ولو لم تفعل المظاهرات غير هذه الجزئية لكفاها إنجازا، فقد أعلنت لخامنئي وطغمته هشاشة نظامه، وكشفت سوءاته، وأعلنت أن ثورة الشعب قادمة وإن تأخرت في السابق.

تبقى مسؤولية المجتمع الدولي في دعم انتفاضة الشعب الإيراني وثورته، ومساعدته على اقتلاع جذور حكومة الملالي، وتلك خطوة لا تقل أهمية عن استئصال جذور تنظيم داعش، فكلاهما وجهان لعملة واحدة، عنوانها الإرهاب، وعلى الأمم المتحدة إعلان موقفها الواضح لدعم المتظاهرين، وفرض أقسى العقوبات على النظام المارق إن أقدم على استخدام القوة المفرطة ضدهم، فهو لا يتورع عن ارتكاب المجازر وحمامات الدم في سبيل تأمين بقائه.