قبل سنوات مررت بابن جارتي العشريني في سيارته، وكان مستلقيا داخلها تاركاً صوت مسجله يزعج الجيران بأغانٍ شبابية.

ركبت مع سائقي الباكستاني الذي قضى في السعودية أكثر من ثمان وعشرين سنة، فبادرته بالاعتذار بأن هذا الشاب ربما يعاني من الاكتئاب لأنه عاطل، ليلتفت نحوي «عبدالعزيز» ويقول إنه ليس بعاطل بل كسول، هذه بلاد إبراهيم عليه السلام، دعا لها بالرزق ولو اشترى صناديق ماء معبأة ووقف عند الإشارة ساعة واحدة سيكسب في الشهر ثلاثة آلاف ريال مرتب وظيفة.

تذكرت هذه القصة عندما قرأت تغريدة الخبير الاقتصادي الدكتور إحسان علي بوحليقة التي جاء فيها «كسعوديين، علينا السعي بهمة عالية لاستعادة اقتصادنا واستعادة أسواقنا. كم من شخص قَدِمَ للمملكة لا يملك من متاع الدنيا فتاتاً، ليغادرها بعد سنوات من الكبد والعمل بخبرة وأموال. الثراء في السوق. فإن كثرت مصاريفنا فليكثر سعينا للرزق».

ما الأسباب التي جعلت الشباب لا يقتنع إلا بوظيفة رسمية بدخل محدود في بلد فيها أسباب الرزق هذه كلها، بل عندما قرروا دخول السوق دخلوه كمتسترين عن عمال يعطونهم آخر الشهر ألفي ريال من دخل يساوي عشرات الألوف..؟

هل لأن الوظيفة الحكومية لا تتطلب عملاً حقيقياً، فنصف طاقة قادرة على إقناع المدير خاصة مع أنظمة تجعل الموظف في مأمن من الفصل لضعف ارتباطها بأدائه، وهو ما يجعل الأمان الوظيفي مقدما على الدخل العالي المنتظر من العمل التجاري؟

في دراسة بريطانية ظهر أن الميل للعمل والحرص على إتقانه ترتفع نسبتهما عند الأشخاص الذين دخلوا سوق العمل في مرحلة مبكرة، أي مرحلة المراهقة.

لا شك أن النتيجة أكدت للبريطانيين ما كانوا يعتقدونه من قبل واعتمدته خططهم من دفع الطلاب في المدارس على العمل في الإجازات الأسبوعية والصيفية، بل ارتبطت جوائز التميز في الجامعات بعدد ساعات العمل التي تنجزها.

ملايين من الشباب المراهق من مختلف المستويات المعيشية تجدهم في المقاهي يمسحون الطاولات ويوصلون البيتزا ويغسلون السيارات، ثم يحصلون على دخل وتجربة قوية تساند المعرفة التي حصل عليها من المدرسة.

إننا في السعودية لا يجب أن نكتفي بتشجيع الطلاب ووضع النقاط عند الحصول على الجوائز، بل يجب أن نشجع الشركات والمطاعم على دعم توظيف المراهقين وصرف مرتبات مجزية لهم، وهذا سيقلل من اعتمادها على العمالة الخارجية على الأقل في الإجازات، ربما ذلك يحدث عبر الشراكات مثلا، ومما يبدو هناك خبر عن شراكة بين التعليم والجامعات والشركات، فلماذا لا يضاف لهم شراكة العمل الجزئي بتوظيف المراهقين ساعات محددة، كل هذا سيقلل من أرقام الخريجين الباحثين عن وظائف حكومية، وسيساعد الأسر بتوفير دخل لشبابهم، بل سيقضي على ثقافة العيب من العمل، التي تكبر وتتصاعد حتى عند المراهقين.