لا نذيع سرا إن أشرنا إلى أن وضع المرأة السعودية كان وما يزال أقل مما تستحقه كمواطنة، وأدنى مما ترتقبه تطلعاتها.

فما تزال مقيدة في كثير من الحقوق مقارنة بشقيقها الرجل، وما زالت فرصها أقل وتحدياتها أكبر.

ولأنه حيث يوجد تمييز ستُخلق مناهضة له، وستكون هناك مطالبات بإنهائه، فطبيعي أن تكتب الأقلام النسائية آلاف المقالات والكتب التي تطالب بتعديل هذه الأوضاع، وباسترجاع الحقوق التي غُيّبت حتى صار غيابها هو الأصل لا الاستثناء.

ولفترة طويلة، وقبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية، تصدرت النساء المثقفات والواعيات هذه المطالب، التي كانت في الغالب منطقية ومشروعة بل وضرورية. وكان هدفها هو إعادة التوازن للعلاقة بين الرجل والمرأة، وبالتالي إصلاح حال الأسرة، ثم المجتمع. ثم جاءت وسائل التواصل الاجتماعي، وصارت منبر من لا منبر له، وكان لهذا الأمر إيجابيات، بحيث كُسر احتكار النخبة وسائل الإعلام، وسمح لعدد أكبر من الناس بالمشاركة والتعبير عن آرائهم، وأصبح الجميع يتفاعلون ويتناقشون ويتجادلون حول القضايا الجوهرية، منها تلك المتعلقة بالمرأة وحقوقها.

وهنا، لم تعد جل المطالبات بتمكين المرأة تصدر من تلك النخبة المثقفة القارئة الواعية فقط، بل اُنتزعت الراية منهن، فكيف غيرت النسويات الجدد في المملكة شكل المطالبات ونوعيتها؟

المتابع لهذه الحسابات التي تدّعي أنها «نسوية» على «تويتر» مثلا سيلاحظ كثيرا من الأمور المشتركة بينها، مع وجود استثناءات رصينة مميزة، فهي غالبا بأسماء وصور مستعارة، ومشحونة بالغضب الشديد، ولديها مشكلة ثقافية مع قيم المجتمع حتى الدينية منها. فمثلاً كثيرٌ منها لديها مشكلة كبرى مع الحجاب والنقاب والستر بكل أنواعه، وقناعة تامة بأنه لا توجد امرأة تختار الحجاب أو النقاب طواعية!

فهنّ إما مجبرات أو خائفات من ردة فعل المجتمع أو مغسولة أدمغتهن.

وبالطبع لا يقدمن تفسيرا منطقيا لانتشار الحجاب في دول الحرية الغربية، رغم كل المضايقات التي تتعرض لها المرأة بسببه هناك. ومع أنهن يطالبن بحق المرأة في التكشف فهن لا يحترمن حقها في التستر بالطريقة التي تناسبها، أو الامتناع عن مصافحة الرجال الأجانب.

وهن يعمدن بدلا من مهاجمة التنظيمات الإدارية المجحفة والمطالبة بإنهائها، إلى مهاجمة الرجل السعودي نفسه، واعتباره مصدرا لكل الشرور، مع أنه لا مقرر ولا مشرع إلا في نطاق أهل بيته. وهن يستلهمن النماذج السيئة وحدها، ويتناسين أن الرجل والمرأة في النهاية هما ضحية ثقافة هذا المجتمع وتربيته التي تشارك فيها الأم «المرأة» والأب «الرجل».

ولذلك، ليس غريبا أن يكون جُلّهن من الفتيات العازبات اللاتي يحتقرن مؤسسة الزواج، لأنهن يعتبرنها مهينة للمرأة، أو أنهن يتسلين بهذه القضية حتى يجيء الفارس المنتظر، أو من بعض السيدات المطلقات ممن عانين تجربة مريرة باتت تتحكم في تفكيرهن ونظرتهن للحياة.

هؤلاء الناشطات الجديدات، يطالبن بشكل أكبر بالأمور التي تمسهن بشكل مباشر، والتي ينحصر كثير منها، إذا استثنيا تسلقهن على وسم إسقاط الولاية والاعتراف الكامل بأهلية المرأة، في الترفيه والأمور التي قد لا تعني كثيرا للسواد الأعظم من نساء المجتمع، بل ويحاولن تقليد مطالب المرأة الغربية الخاصة بمجتمعها وظروفه وثقافته مثل حق الإجهاض.

فيما لا نجدهن يطالبن بحقوق المرأة العاملة فيما يتعلق بإجازة الوضع ورعاية المولود والأمومة، وحق الطفل في الرضاعة الطبيعة «إن أرادت أمه إرضاعه واستطاعت»، وتوفير أماكن مخصصة آمنة للأم للقيام بذلك في الأماكن العامة، ولا بضرورة توفير حضانات للأطفال في أماكن العمل، ولا نجدهن يُكبرن دور المرأة ربة الأسرة التي تختار التفرغ لرعاية أسرتها. لأنني كما أسلفت أجدهن يحتقرن مؤسسة الأسرة، ووصل الحال بهن إلى احتفال بعضهن بطلاقهن وذكر مزاياه.

ومع أن الطلاق حلال، وقد يكون أفضل حل لبعض الزيجات الفاشلة، ورغم أنه ليس سيئا ولا معيبا، ولكنه يظل أبغض الحلال، ويفترض أن يكون آخر الحلول، خاصة عند وجود أطفال، فلا ينبغي أن يُقدم للأجيال القادمة على أنه شيء جميل يستحق الاحتفاء!

ويلاحظ كذلك غياب نظرتهن الحقوقية عن احتياجات المرأة المختلفة عنهن، فيغبن عند الحديث عن المرأة التي تعاني ويلات الحروب والاحتلال واللجوء، وغيرها.

فلا نقرأ لهن تغريدات أو مقالات عن النساء الفلسطينيات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ولا يتعاطفن مع الأم السورية أو البورمية، ولا يتعاطفن مع ما تتعرض له المرأة المسلمة في الغرب في ظل انتشار حالة العداء لكل ما هو إسلامي «الإسلاموفوبيا»، بل ونجدهن يبررن منع الحجاب أو أي إجراء مماثل، بحجة أن من حق الغرب أن يحمي ثقافته، في الوقت نفسه الذي يرغبن في استيراد وفرض الثقافة الغربية.

ما كنت أظن أنه سيأتي يوم أكتب فيه مقالا ضد شريحة من النساء، فقد بدأت الكتابة من أجلهن ولأجل حقوقهن، وما زلتُ أفعل ذلك منذ ما يقارب العشرين سنة. وكان مبدئي أن التطرف في حرمان المرأة من حقوقها سيؤدي إلى تطرف نسوي مماثل، إلى أن تعتدل الأمور وتعود إلى اتزانها. ولكن ما بدأت ألاحظه من استمرار لهؤلاء النسوة الموتورات منذ فترة ليست بالقصيرة حفزني لذلك، حتى لا ينشأ جيل تالٍ من النساء يعتقدن أن قمة البطولة أن تخالفي السائد، ليس لأجل الطموح أو تحقيق حلم، وإنما عنادا ولأجل المصادمة والمخالفة. أو أن الحرية والمساواة تعنيان التحرر من الحشمة والحياء، والتعامل مع الرجال بانبساط وأريحية، وكأنكِ واحدة منهم!، أو أن السعادة العظمى تعني التنكر لأدواركِ الفطرية ولسنّة الحياة، وأن تعتقدي أن أسمى غايات النسوية هي الانتصار على الرجل في معركة طواحين الهواء.

الحياة مكونة من رجل وامرأة أو امرأة ورجل.. لا فرق. والسر في حياة سعيدة هو في التكامل بين هذين الفردين، لخلق مجتمع متوازن يتشارك أفراده في الحقوق والواجبات، ويشعر كل فرد فيه بقيمته واحترامه، وينال فيه حقوقه المشروعة بلا ظلم ولا تمييز.