متعب الزبيلي
لكل حدث تفاصيل ومجريات، وقد تكتمل التفاصيل وتنتهي إلى حيث ما خُطط له، أو قد تتوقف بسبب عوامل، إما أنها طبيعية أو عوامل أخرى بفعل فاعل، وقد يكون الحدث خيرا أو شرا، أو أنه شخصي أو أمر عام، وحين تعترض العوامل حدثا وكان مثلا شرا، نتوقف فكريا عند محطة توقف ذلك الحدث، وهناك إمكانية في أن نتجاوز محطة توقف الحدث، ولكن يبقى التجاوز مبنيا على التوقعات، ولن تكون التوقعات مؤلمة وموجعة كما واقعية الحدث، وبمعنى أوسع معايشة الحدث مغايره تماما للتصورات واستنتاج الخيال، أوردت المقدمة أعلاه، لأعود وإياكم من يوم الأربعاء
18 / 3 /1439 إلى ما قبل 11444 يوما مضت، حين هبطت الطائرة الإيرانية رقم 3169 عند الساعة السادسة وخمسين دقيقة فجر يوم الجمعة الثالث من شهر ذي الحجة عام 1406، والذي حينها توقفت الأمة الإسلامية عند تفاصيل إفشال إدخال متفجرات تزن 51 كيلوجراما إلى حيث مكة المكرمة، موزعة ما بين 95 حقيبة تعود إلى الحجاج الإيرانيين.
والسؤال المطروح هنا: هل لا تعد حكومة طهران إجرامية إلا في حال، لا سمح الله تعالى، وقع ما لا تحمد عقباه، وتم تمرير الـ 51 كيلوجراما، وتم تنفيذ الشر في أطهر بقاع الأرض إطلاقا، ويعد الحدث استثنائيا من حيث علاقة مدبر الشر بالإسلام، ومن حيث أيضا قدسية المكان وحرمة الشهر، ويأتي الاستثناء كون مجرد فكرة توجيه الشر بنية وعزيمة صادقة، إلى بيت الله تعالى الحرام، يُعد ذلك جريمة بما تعنيه الكلمة، وحين أخفت حكومة طهران في إيقاع 95 حقيبة الشر، وتوجهت به إلى الديار المقدسة دون أن يردعها الانتماء إلى الدين الذي تذكر حكومة طهران بأنها تدافع عنه وتذود، إضافة إلى افتراضية تأنيب الضمير، والذي ينتج عن الصراع النفسي لدى المرء في كثير من الحالات، خاصة حين يكون حائرا بين أمرين، الإقدام على فعل أو الامتناع عن الفعل، وقد تكون لديه مقدرة من حيث الفرصة والإمكانيات الأخرى، إلا أنه من خلال تأنيب ضميره يمكن أن يعدل ويتراجع، وتتعدد أسباب التأنيب والصراع النفسي، إلا أن ضمير حكومة طهران قد تعطل، وأبى ضمير أحدهم أن يستيقظ لعله يثني المتبقين عن عزمهم على تنفيذ جريمتهم، لم يحرك ضمائرهم الشهر الحرام ولا قدسية المكان أو حتى من باب توقفهم من خلال انتمائهم، وبفضل من الله عز وجل، ثم جهود رجال الأمن والجمارك والعاملين بمطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة، تم إفشال وثني عزيمة حكومة طهران وهي مرغمة، ولم تستطع بفضل الله تعالى أن تعبر بِنَا حكومة طهران إلى إنتاج حدث يظل باقيا في الذاكرة الإسلامية تتوارثه أجيال بعد أجيال.
ولكن يفترض أن يبقى مجرد محاولة تمرير الشر إلى أطهر البقاع، أن يكون وصمة عار في جبين حكومة طهران، وأن تخجل من ترديد كونها نصيرا للإسلام والمسلمين، هذا إضافة إلى العديد من المجريات والأحداث والتي تقف خلفها حكومة طهران، جميعها حصلت في أطهر البقاع في مكة المكرمة، أقلها حجما تكدير صفو أجواء حجاج بيت الله تعالى الحرام، والسعي لأحداث الفوضوية والإقدام على أعمال الشغب بشتى أنواعها، أحداث وتفاصيل من خلالها تبقى حكومة طهران مجرد مدّع بنصرة الإسلام والمسلمين، وهذا لم يأت من باب التجني وادعاء التهمة، كما تفعل حكومة طهران، حين تحاول اتهام الآخرين وتزوير الحقائق، ولكنها الحقيقة الذي يفترض أن نأخذها بعين الاعتبار، وهي أن من ينقل المواد المتفجرة ويحاول تمريرها إلى أطهر البقاع، يجب ألا ننظر إليه إلا على أنه مخادع يحاول أن يتخذ الإسلام وسيلة لتحقيق مآربه الفارسية.
ومن ناحية محبة الحكومة الإيرانية للعرب من أتباع المذهب الشيعي، ومحاولة تكرار التدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية، يُبطل مصداقية محبتهم وأنها ليست إلا مجرد كذبة، حين زجت بمن اكتسبوا مواطنتهم منذ مئات السنين، وها هو أحد من تورط في جريمة محاولة تمرير المتفجرات المذكورة، أقسم بالقرآن، بأنه لا علم له بوجود متفجرات في قاع حقيبته، إضافة إلى غيره من الحجاج الإيرانيين المتورطين الذين نقل التلفزيون السعودي حينها تفاصيل اعترافاتهم، أفادوا بأنه طلب منهم إحضار حقائبهم، قبل خمسة عشر يوما من مجيئهم إلى المملكة، ولم يتسلموها إلا يوم مغادرتهم الأراضي الإيرانية، وهل يمكن من حيث المنطق، أن يكون العرب الشيعة، أفضل من مواطنين ولدوا وعاشوا مواطنين إيرانيين.
وفي الختام، منطقيا، حكومة طهران لديها مآرب وأمنيات، وما غيرتها على المنتمين مذهبيا إلا خدعة تؤكدها إرادتها الشر بمواطنيها، لولا أن حكومة المملكة أخذت بعين الاعتبار اعترافات من وجد في حقائبهم الشر مدسوسا، وأثبتت الدلائل والبراهين أنهم بالفعل لا علم لهم، وأن الحاصل من دسائس حكومة طهران، وها هي لاتزال مستمرة في المنهج نفسه، وإن اختلفت الدسائس إلا أن المصدر حكومة طهران.